.
الأبعاد الثلاثة
في انتفاضة الشعوب/ المفكّر الإسلامي طارق رمضان
صحيح أنّنا إذا
حلّلنا الواقع، فالأمر مُقلق وما أقترحه عليكم هو البدء بمقدّمة عن المُصطلحات
المُستخدمة.
هل الأمر يتعلّق
بربيع عربي، ثورات عربية؟ البعض يستخدم مصطلح الثورة. البعض الآخر يستخدم مصطلح
الربيع العربي. وفي ما يخصّني، لا أستعمل إلاّ كلمة انتفاضة، لا ثورة ولا ربيع.
لأسباب متعدّدة، ستكتشفونها من خلال حديثي.
أولا، لأنّي لا
أعتقد أنّنا نعيش ثورات مُنتهية. يُمكنني حتى أن ألمس في بعض الوقائع أنّ الأمر
يتعلّق بثورات مسروقة. أي أنّه لم تعد الثورة موجودة، بمعنى أنّ هناك انتفاضات
سُرقت.
ثمّ إنّني ما زلت
أضع علامة استفهام أمام مصطلح الربيع العربي هذا. وما أُكرّره دائما خلال
تحليلاتي، هو أنّني متفائل بحذر. أقصد أنّ هناك عددا من المسائل التي يجب التوقّف
عندها.
تتذكّرون أنّه في
سنة 2003، حين بدأت الحرب على العراق، أعلن الرئيس جورج بوش وشرح وبرّر أنّ ما كان
يحدث في العراق، هو مقدّمة كحركة واسعة لدمقرطة البلدان العربية في الشرق الأوسط.
وبما أنّ مستقبل هذه البلدان هي الديمقراطية، يجب أن ننتبه في كلّ تحليلاتنا إلى
شيء مهمّ، وأجد أنّنا في هذه النقطة نكون سذّجا في بعض الأحيان: هو أنّ كلّ هذه
المواقف السياسية لا تعني شيئا، إذا لم نقرأ بالتوازي معها: المصالح الاقتصادية
والجيو ستراتيجية الإقليمية. أي أنّه لا يجب أبدا التوقّف عند القراءة السياسية
فقط. فالقراءة السياسية التي تُحدّثك عن الديمقراطية –بعد أن ساندت الديكتاتورية
30 سنة- فهذا يعني أنّها تُخفي عنك شيئا ما على المستوى الاقتصادي. أو أنّها لا
تقول كلّ شيء.
إذن يجب أن تكون
لدينا نظرة عامة للقيام بقراءة ثلاثية الأبعاد: سياسية واقتصادية وجيوستراتيجية.
لأنّ كلّ شيء مرتبط من هذه الزاوية من وجهة نظر التحليل الذي سنقوم به.
ولاحظتم في العديد
من التغطيات الإعلامية وحتى في التصريحات السياسية، يبدو وكأنّ البعد الاقتصادي
أصبح فجأة بُعدا ثانويا. مع أنّ البعد الاقتصادي اليوم –في نظري- هو الشيء الوحيد
الذي سيجعلنا نفهم ما يحدث. هذا ليس جديدا، ولكن المهمّ التذكير به.
الشعوب التي تنزل
الشارع من أجل الحرية، يجب أيضا أن تطرح السؤال: مَن يتحكّم بدواليب البورصة؟ لأنّ
ديمقراطيات سياسية –دون استقلال اقتصادي- يُمكنها أن تكون من وجهة نظر جيوسترتيجية
بنفس خطورة الديكتاتوريات التي نُمسكها من القمّة.
يجب الانتباه أنّ
الأمر خطير جدا. لأنّه خلف الواجهة الديمقراطية، ستكون هناك سيطرة اقتصادية تامّة
وجيوستراتيجية محدّدة جدا على المستوى الإقليمي.
وهنا نكون سذّجا
لأنّنا أخذنا بهذا الشعور الديمقراطي وخضعنا للامبريالية الاقتصادية. إذن علينا أن
ننظر إلى الأمور نظرة شاملة، مقاربة شاملة. وهذا ما سأحاول فعله.
مع تحيات خواطر
وآراء
18-02-2012
.