.
أزمة المصطلح لا تزال تُطاردنا: الربيع العربي نموذجا
لم يعد خافيا على أحد أنّ المصطلحات التي
تُُطلقها أبواق سماسرة الإعلام ليست مُحايدة. فهي كمائن فكرية تُشكّل
سلطة معنوية تتناسب مع سياسة صناّع القرار في العالم، وتتغيّر حسب مصالحهم كأن يصير الاحتلال حماية، والاستخراب
استعمارا، والاستشهاد انتحارا، وترويع الآمنين حربا استباقية، وطمس حضارة أمّة
صراع حضارات. وأزمة المعنى هذه لا
تتوقّف بتوقّف العدوان المسلّح، بل تتواصل بعده. فيصير من يضع نصب عينيه الحلال
والحرام ظلاميّا، رجعيّا، مُتطرّفا، مُتزمّتا ومُتخلِّفا. بينما نجد في المقابل
أنّ كلّ من يُحاول عزل الدين عن الحياة وفرض الثقافة الغربية الاستهلاكية هو
حداثيّ، ديمقراطيّ، علمانيّ، عقلانيّ ومُتقدّم.
والآن، وبعد سقوط حكّام مُستبدّين
وتأرجح آخرين نحو السقوط، سارع حكّام الغرب –كغيرهم- لركوب قاطرة الثورة. لا حبّا
في الشعوب الكادحة، وإنّما لتلطيف أجواء التوتر، وتخفيف مشاعر الكراهية ضدّ
غطرستهم الغربية المُتوحّشة. فهذا
حاكم يُطلق اسم مُوقِد شرارة الثورة على شارع بعاصمته، وآخر يقف على سدّة برلمانه
مُصفّقا وبطانته المنافقة تحية لشهداء الثورة، وثالث يُغدق علينا قروضا سخيّة،
ورابع وخامس...
ولكن هل انتهت أزمة المعنى؟
بالطبع لا، فالحرباء واصلت تلوّنها لتجعل من الثورة على الظلم والاستبداد < ثورة ياسمين >، ومن
تسونامي التغيير <ربيعا عربيا >
هم يريدونها في رقّة
الياسمين كي يسهل لهم اقتطاف زهرتها، والشعب
يُريدها ثورة هندي – زهرته قد
تفوق زهرة الياسمين جمالا كما تُبيّنه الصورة المصاحبة- ولكن لن يتمكّن من
اقتطاف ثمرته إلاّ من يدفع الثمن.
وأمّا < الربيع العربي > فهو
مصطلح برّاق ولولا تحوّل حرف الـ(ع) في
المفردتيْن من المرتبة السادسة إلى الثالثة لقلنا إنّه جناس تامّ. فهل أنّ الغرب،
من خلال هذا المصطلح الجميل الشاعري، يُريد حقّا التكفير عن ذنبه بعد أن حكم علينا
بالعيش في شتاء قارس لعقود؟ لا، إنّها عملية إغراء، يقصد الغرب من ورائها تضليل
الشعوب. فهي مُحاولة خبيثة منه لتعطيل طاقة الأمّة وتحييد فعلها الجمعي عن
التأثير. فهو يعرف قدرة الثورات والانتفاضات على تغيير وتطوير الأنظمة والشعوب،
ولكنّه يعلم كذلك مدى فاعلية المصطلحات والأفكار في النفوس. لذلك هو يُحاول صياغة
أفكار ومصطلحات ثمّ تسويقها عساها تنجح في تمرير مشاريع تخدم مصالحه. ومرادف مصطلح
< الربيع العربي >
عندي - واستعارة من أحمد شوقي- هو [خدعوها
بقولهم حسناء]
استطراد على علاقة: [خدعوها
بقولهم حسناء] عبارة ذكرتُها مرّة وسط جمع بعد 14 جانفي 2011 بأسابيع
قليلة، حتّى لا يغترّ الشباب بمصطلح {إنّ هذه الثورة هي ثورة
الشباب}. وبيّنتُ لهم أنّ مُطلقي هذا الوصف مُخادعون. وعلى الشباب تلقّي
اللقب، كلقب تكليف لا لقب تشريف، فإذا بهم كادوا يقصفونني بالطماطم – لو وُجدت-
لقد أراد الغرب – زورا وبهتانا- أن
تكون ثورة الشعب ربيعا عربيا. والشعب يريد أن تكون ثورته صيفا حارقا يشوي الطغاة
والجبابرة. الشعب يريد أن تكون ثورته خريفا عاصفا يجرف المُستبدّين خارج التاريخ
والجغرافيا. الشعب يريد أن تكون ثورته شتاء مُمطرا يُغرق فرعون العصر وبطانته.
أمّا وإن كان ولا بدّ من ربيع، فالشعب يُريد أن تكون ثورته ربيعا إسلاميا يستردّ
فيه أرض فلسطين المسلوبة. وليس ذلك على الله بعزيز.
والسلام، عثمان
الدرويش
07 / 05 / 2011
07 / 05 / 2011
مسؤولية وحقوق هذه المادّة لصاحبها
.