كان هذا موقفنا من العمل النقابي، ولا يزال كذلك
النصّ الحرفيّ لرسالة (بمناسبة بعث نقابة أساسية للتعليم الأساسي بالعالية)
كان قد قام بتسريبها موظّف بإدارة محلّيّة لرؤسائه في الحزب الحاكم وقتها
المعلم: عثمان
الدرويش
الحمد لله وحده
المعرف الوحيد: ******05
مدرسة الشابي –
العالية
العالية في 4 جوان 06
طرح في منهجية العمل النقابي
وعلاقة النقابة بالطبقة الشغيلة
بسم الله الرحمان الرحيم
بعد الترحيب بالضيوف والحضور، أغتنم مناسبة تركيز النقابة
الأساسية للتعليم فأستسمحكم لدقائق أعرض فيها للنقاش وجهة نظري حول نقطتين: علاقة
النقابة بالمعلمين، ومنهجية العمل النقابي في عصر رأس المال.
إنّ الظرف الذي يعيشه المعلّمون زمن الخوصصة يحتّم عليهم تنظيم أنفسهم تلقائيا ضمن
إطار مهني لا يمكن أن يكون إلاّ نقابة. والنقابة لن تستطيع التصدّي لإعصار
الليبرالية الاقتصادية المتوحشة إلاّ إذا صارت الطبقة الشغيلة واعية كلّ الوعي
بحجم الاستغلال الممارس عليها فيجعلها مرتبطة بهيكلها النقابي، ملتزمة بقراراته.
فمخطئ من اعتقد أنّه صاحب الفضل على الطرف الآخر. فالعلاقة بين النقابة والقاعدة
العمالية هي علاقة جدلية، فأيّ فعل لأحد طرفيْ المعادلة يكون تأثيره مباشرا
وملموسا على الطرف الآخر سلبا أو إيجابا. وعليه فلابدّ أن تكون هذه العلاقة مبنية
على أسس مبدئية بعيدة عن الانتهازية، وبإيجاز شديد أقول: على النقابة أن تتبنّى
جميع مطالب المعلّمين وحسب إجماعهم هُم، وعلى هؤلاء تقديم كلّ الدّعم لهيكلهم
النقابي. وبإخلال أحد الطرفين بالتزاماته يسقط الجميع فريسة للابتزاز ومزيد
الاستغلال.
إنّ عدم تقيّد القاعدة العمالية
بضوابط النقابة و التخلّي عن تقديم الدّعم اللازم لها يُضعف هذه الأخيرة ويفتح
المجال أمام السماسرة للمتاجرة بمطالب المعلّمين، وبالتالي يسهل على رأس المال
الانقضاض عليها وتمرير مشروعه. وإنّ تنصّل النقابة من التزاماتها بانتقاء
المطالب تحت ضغط البيروقراطية بعنوان الممارسة الإدارية أو تحت حسابات مفلسة عجزت
عن تحقيقها ضمن إطار حزبيّ يجعل المعلمين ينصرفون عنها لمزيد التفكّك، وينفرون من
العمل النقابي يائسين، وهو يأس لايستفيد منه إلاّ رأس المال المعولم. وعندها قد
تُفرض علينا التعددية النقابية كما فُرضت علينا التعددية الحزبية عندما صارت تخدم
مصلحتهم [وهي مصلحة دائمة: الاستغلال ومزيد الاستغلال]. خذ مثلا حزب العمال
البريطاني البلاري (نسبة لِـ توني بلار) وحزب العمل الأردني الإخواني (نسبة للإخوان المسلمين) فأيّ منهما
يدافع على مصلحة العمال؟ أكيد لا هذا ولا ذاك. فالعلاقة المبدئية قد تحوّلت إلى
علاقة انتهازية، الابتزاز وسيلتها الوحيدة وغايتها كذلك.
وإذا كانت وجهة نظري قد اتّضحت وإذا سمحتم لي، أواصل في النقطة الثانية وهي منهجية
العمل النقابي. فحسب الفصل الخامس من الدستور المنقّح في جوان 2002: [وتعمل – أي
الجمهورية التونسية – من أجل كرامة الإنسان وتنمية شخصيته.] واعتمادا على الفصل
الثامن من الدستور: [ والحق النقابي مضمون.] وبما أنّ رأس المال المتوحش يمتصّ
دماء المجتمع، بل كلّ المجتمعات دون استثناء، ويستهدف معظم الحكومات، بتفاوت نسبي
بسيط. فأرى من الحكمة كسب دعم طبقات المجتمع وتحييد سلطة الإشراف. ولن يتمّ ذلك
إلاّ بفضح مشروع الخصخصة بالتركيز على أنّ المشكل ليس في خلق الثروات ولكنّه في
توزيع الثروات. فكلّ نقابة، في نظري، لاتعتمد في نضالها على التصدّي للخصخصة فهي
نقابة غير سويّة. فهل كسبنا دعم المجتمع وحياد السلطة ؟
·
الأوّل حول
إضراب 11 ماي، 1- خاطبني قريب عاطل عن العمل لثلاثة أرباع السنة: " لقد سمعت
أنّكم أضربتم طلبا في ترفيع الشهرية وتنقيص ساعات العمل." 2– امرأة نصف أميّة
قالت: " أنتم أضربتم أضربتم، ليتكم تكلّمتم على هذه القراءة الصعبة. "
السؤال، هل نحن بصدد كسب نقاط دعم من المجتمع ؟
·
المثال
الثاني حول تحييد الإدارة أو سلطة الإشراف التي استطاع رأس المال إقناعها بجدّية
مشروعه من خلال التلويح بعبارات سحرية صارت أقوى من القوانين الطبيعية كالمبادرة
الشخصية والإبداع، القدرة التنافسية، المدرسة هي الحياة، فتح المدرسة على المحيط،
قصور المعرفة على مواكبة عالم التقنية والحلّ هو اقتصاد السوق، إقحام الآلات
الغربية الغريبة، التعلّم الذاتي، التكيّف، إحداث مؤسسات تربوية خاصة تعتمد برامج وتنظيمات خصوصية، تخفيف المعرفة
وحصرها في كفايات ومهارات (أي تحويل نظام سميق smig وسماق smag من ضبط أجرة العمل إلى تحديد المعرفة العلمية). فكيف يمكن لمن اقتنع بكلّ هذا أن يؤثّر فيه احتجاج- مثلا -
على تخفيض ضوارب أو تقليص ساعات للمواد الاجتماعية كالتاريخ والجغرافيا أو المواد
الفكرية كالفلسفة والتربية الإسلامية.
فتحييد سلطة الإشراف يكون – زيادة على التمسّك الكامل بكلّ المطالب الشرعية
باللائحة المهنية - بتعرية خدعة رأس المال، وأنّه أصل المشاكل وليس حلاّ
لها. فرأس المال المضارباتي لايهمّه سوى صُنع ربوهات "ذكيّة"
توفّر له مزيدا من الربح إنتاجا واستهلاكا. فهو إذن لا يحتاج لتاريخ وجغرافيا ولا
لنظريات فكرية ودينية. بل إنّ تدريس هذه المواد يعرقل جشعه البشع، ويهدم أسس
ليبراليته المستبدّة. لذلك فهو لن يتوقّف عند حدّ. وليس مستغربا - حين تفرّده بنا
- أن يطالب المُتربّصَ في تكوين مهنيّ بدفع أجرة تكوينه، وأن يحوّل حقّ الإضراب إلى
جريمة تحت عنوان عرقلة حريّة العمل، وأن يُصبح المهندسُ المتخرِّج مثلا مُطالَبا
بخلق مناصب شغل لا أن يُطالِب بالشغل.
بإيجاز شديد، على الكلّ أن يُدرك أنّ النظام الرّسمي الرأسماليّ لا يهتمّ كثيرا – إلاّ تكتيكيا – بكرامة المجتمع وسلطة
الدولة مَثله في ذلك مثل الأسد مع الثيران الثلاثة.
وأخيرا أُقحم اقتراحين للحدّ من تغوّل رأس المال في التعليم:
·
الأول إقصاء
سلطة المُتنفّذين اقتصاديا عن المؤسسات التربوية.
·
الثاني
وتحدّيا لبنك بول ويلفيتس (البنك الدولي)، وقياسا على (BTS) البنك التونسي
للتضامن وربما بالتعاون معه، أقترح إنشاء البنك التونسي للتعليم العمومي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته الإمضاء: عثمان الدرويش
------------------------------------------------
تنزيل: 10 / 05 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.