.
المجلس التأسيسي في(rétroviseur)الثورة
قبل البداية: [التاريخ في ظاهره لا يزيد على الإخبار وفي
باطنه نظر وتحقيق]ابن خلدون. وبلغة تكنولوجيا العصر: [التاريخ هو المرآة العاكسة
بالسيارة(rétroviseur)]: يلتقط السائق الصورة على المرآة لا للعودة إلى الوراء، وإنّما
ليحلّل تلك الصورة ويختار أفضل القرارات قصد التقدّم إلى الأمام بوعي ومسؤولية.
ولن يتمكّن السائق من كلّ ذلك إلاّ عندما أدرك الصورة كاملة في إطارها العام أي
بعد أخذ مسافة زمانية عنها.
من أهم مطالب الشعب بعد 14 جانفي 2011 كان "الشعب يُريد مجلسا تأسيسيا" ومرّ هذا المطلب
بثلاث مراحل:
مرحلة الثورة الشعبية: لقد كان
مفهوم المجلس التأسيسي خلال شهريْ جانفي وفيفري 2011 أي القصبة1 والقصبة2 يقوم على
مبدإ توافق حكماء البلاد في اختيار مجموعة من الوطنيين الخبراء في القانون والفقه
الدستوري، تقوم بإعداد مسودّات دساتير متنوّعة خلال ستة أشهر، ثم يتمّ استفتاء
الشعب لاختيار أحدها. بعدها واستنادا للدستور المفضّل تقع انتخابات واسعة لبرلمان
شرعي بكامل صلوحياته المنصوص عليها في الدستور المختار. وعندها تكون تونس قد دخلت
مرحلة الاستقرار.
مرحلة التوافق الانتقالية: بعد
استقالة محمد الغنوشي، خرج علينا فؤاد
المبزع (رئيس برلمان ابن علي، ثم هو نفسه رئيس جمهورية الثورة) عشية الخميس 3 مارس
2011 ليعلن أنّه أقرّ تنظيما مؤقّتا للسلط عبر مرحلة انتقالية سمّاها
"توافقية"، وقام بتعليق العمل بالدستور وقبِل إنشاء مجلس
تأسيسي (لكن حسب منظوره الخاص، لا كما طالب به
الشعب أعلاه). فعمّت الفرحة القصبة2،
وبعد ساعتين أي العاشرة ليلا أعلن المعتصمون فضّ اعتصام القصبة2.
وكنتُ حذّرتُ يومها
والأيام الموالية بأنّ كلّ ما قام به فؤاد المبزع في خطاب "يوم العرش" ليس
سوى إعلان حالة طوارئ مدنية تُضاف إلى حالة الطوارئ العسكرية سارية المفعول.إنّ هذه الثورة ترتكب خطأ فظيعا إذا ما توقّّفت في منتصف الطريق وقبل تحقيق
كلّ أهدافها بحجّة التقليل من الخسائر، وقد تتضاعف خسائرها دون الحصول على أيّ
مكسب لأنّها ببساطة قد اختارت البديل (المبزّع/الغنوشي) من خارج رحم الثورة.
ولكنّ النخبة ظنّت –خطأ- أن باكورة ثمار الثورة قد أينعت
وحان قطافها، فتسابقت –أحزابا ومنظمات- لتزكية برنامج المبزع، {والشعب من هذه
التزكية براء}. ثمّ دخلنا متاهة ثلاثية الأبعاد: [حكومة قائد السبسي المُكابِرة –
هيئة ابن عاشور المُراوِغة – تحالفات الأحزاب المُتناقِضة] وباقي فصول المسرحية
معروف لدى الجميع.
مرحلة القانون الشرعية: الآن،
وقد حصل ما حصل. وبعد كلّ هذا الصراع المرير بين الشرعية الثورية والشرعية
التوافقية، حان الوقت ليقبل الجميع –اختيارا أو اضطرارا- بالشرعية القانونية. نعم،
لم تنجح المرحلة الشعبية في تكوين مجلس تأسيسي حسب رؤيتها. نعم، فرضت المرحلة
الانتقالية بأبعادها الثلاثة قيودا مختلفة على المجلس التأسيسي المزمع انتخابه
بإصدارها قوانين غير حيادية، لعلّ أكثرها ظلما شبكة المعايير المسقطة ضمن القانون
الانتخابي كالمناصفة والاقتراع على القوائم وتوزيع المقاعد اعتمادا على أكبر
البواقي.
ورغم ذلك، لا تزال البوصلة في يد الشعب، ويستطيع يوم 23 أكتوبر 2011 إسقاط أقنعة المتآمرين عليه، فيرسم بفرشاته المجلس الذي يُريده، وذلك بفعل واحد وهو: {تكاتف المجهودات -اعتمادا على مكوّنات الأمّة الأساسية- لإنشاء مجلس تأسيسي بالألوان الأساسية فقط، وتجنّب تشتت الأصوات، حتى لا يخرج علينا مجلس فسيفسائي بكلّ ألوان الطيف (بأحزابه -عفوا بألوانه- الفرعية والثانوية: المحايدة والباردة والحارّة).}
ورغم ذلك، لا تزال البوصلة في يد الشعب، ويستطيع يوم 23 أكتوبر 2011 إسقاط أقنعة المتآمرين عليه، فيرسم بفرشاته المجلس الذي يُريده، وذلك بفعل واحد وهو: {تكاتف المجهودات -اعتمادا على مكوّنات الأمّة الأساسية- لإنشاء مجلس تأسيسي بالألوان الأساسية فقط، وتجنّب تشتت الأصوات، حتى لا يخرج علينا مجلس فسيفسائي بكلّ ألوان الطيف (بأحزابه -عفوا بألوانه- الفرعية والثانوية: المحايدة والباردة والحارّة).}
وهذا الإجراء في اعتقادي هو السبيل الوحيد لإعادة قاطرة
الثورة إلى مسلك الشرعية القانونية.
والسلام، عثمان الدرويش
30 / 09 / 2011
مسؤولية وحقوق هذه المادّة لصاحبها
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire