.
على
هامش انطلاقتيْ امتحان "النوفيام" والاستشارة الوطنية في التربية:
ما أشبه اليوم بالبارحة
غريب
أن نجد اليوم 18/06/2012 في تونس الثورة عبر وسائل إعلام حكومية رسمية كـ: وكالة
تونس إفريقيا للأنباء والتلفزة الوطنية، وربما في مواقع رسمية أخرى، غريب أن نجد
في نفس يوم انطلاقة الاستشارة الوطنية حول إصلاح المنظومة التربوية عبارة لا هي
بالعربية ولا بالفرنسية: [اليوم، انطلاق امتحان "النـوفيـام"...].
وبما
أنّنا سئمنا الحديث في الموضوع، ولم يعد لنا ما نكتبه في هذا المجال، وإيمانا بأنّ اللغة
وطن، والدّفاع عن الوطن واجب مقدّس. نورد مقتطفا من دراسة سابقة لنا تحت
عنوان: المتعلّم في مدار اللغة – ديسمبر2007/ ذي القعدة 1428
7-1-3
الإعلام
عندما قصّرت الأسرة بسبب أو بدونه في تمكين الطفل من اكتساب اللغة في أحضانها
وعندما تعثّرت المدرسة في تنشئة الطفل لغويا بين أسوارها برزت مؤسّسة اجتماعية
ثالثة لا إصلاحا للأولى ولا مؤازرة للثانية , وإنّما تنفيذا لأجندتها الخاصّة ،
الّتي قد تتقاطع مع إحدى المؤسّستين أو كلتيهما أحيانا وقد تختلف مع أحدهما أو
كلتيهما أحيانا أخرى .
فعندما كانت الأسرة والمدرسة مؤمنتيْن بالرسالة التربوية كطبيعة حتمية
مشتركة مدركتيْن لجدلية التأثر والتأثير بينهما كان الإعلام تابعا لهما. فقدّم
مثلا برامج تعليمية لتلاميذ الابتدائي والإعدادي والثانوي وأنتج سلسلتي افتح يا
سمسم وضيعة محروس.
وعندما غاب التكامل العضوي بين هاتين المؤسّستين أصبحت مؤسّسات الإعلام
رائدة التربية، مغتنمة في ذلك نقاط ضعف كلّ من الأسرة والمدرسة، مستفيدة بوسائطها
الحيّة وأسلوبها الجذّاب وبرامجها الممتعة وصار الجميع يجتهد في محاكاتها.
وهذه
شواهد على ذلك :
-
تلميذة السنة الرابعة تقطع الدّرس قائلة :" سيّدي ، فلانة تِمَنْكّرْ " [أي تطلي أظافرها] . تلميذة لها هذه
القدرة التوليدية بالقياس على ما استقته من وسائل الإعلام كـ"مَسَّجْ" [أي ابعث رسالة قصيرة] و"شَرْجِي" [أي اشحن هاتفك] ماهو مستوى امتلاكها
للكفاية اللغوية حسب المحكّات الجديدة للتقييم ؟
-
"الْفَدَّة
إيشْ بِيهْ" عنوان مطوية صادرة عن الرابطة القومية لمقاومة السل وُزّعت داخل
المدارس مع طوابع تحمل نفس العبارة . فأصبحت "إيشْ
بِيهْ" اللاّزمة في أواخر خطابات التلاميذ لمدّة زمنية.
-
للإعلان
عن طريقة الحصول على نتائج مناظرة الالتحاق بالمدارس الإعدادية النموذجية في نهاية
السنة الدراسية الفارطة وعلى شاشة التلفزة الوطنية ولمدّة يومين، يدور الشريط
الإخباري التالي (لا بالعربية ولا بالفرنسية):
"وزارة التربية والتكوين : يمكن الحصول على.......دوبلفي
دوبلفي دوبلفي
نقطة 6 واب نقطة تي
ان...." ثمّ ووراء هذا الإعلان مباشرة وفي
خصوص الإرسالية القصيرة نقرأ : "وزارة التربية والتكوين : يمكن الحصول على .......
سيس ثم ترك فراغ ثم رقم التسجيل في
الامتحان....."
تلفزة وطنية كان عليها احترام
اللغة التي نصّ عليها الدستور بل والدفاع عنها تنشر هذا الخطاب فهل يمكن بعدها لوم
تلميذة " تِمَنْكّرْ " أو تلاميذ "إيشْ بِيهْ" ؟
إنّ إصرار الإعلام على إقحام الدّارجة سيُحوّل الدلالة القطعية في اللغة إلى
دلالات محتملة محدثا بذلك اضطرابا بين الدّال والمدلول يُؤدّي في النهاية إلى
فقدان المعنى . وهذا الإرباك اللغوي لن يُحدث اضطرابا في التواصل بين الفرد ومحيطه
فحسب بل سينتج عنه اضطراب نفساني , لن تستطيع بعده البيداغوجيا الحديثة والّتي
ترتكز على علم النفس إعادة التوازن للمتعلّم . وما لم تُدرك الأسرة والمدرسة خطورة المنافسة
مع وسائل الإعلام وما لم تُسارعا في محاصرة هذا التلوّث اللغوي فإنّ الوضع سيزداد
سوءا .
والسلام،
عثمان الدرويش
18 / 06 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.