صورة لبورقيبة وهو ينزع عن امرأة حجابها (السفساري) في أواسط الستينات
.
حوار مع صديقي السلفيّ /وهذا الجزء الثاني منه
حوار مع صديقي السلفيّ /وهذا الجزء الثاني منه
تمهيد للربط:
بيّنتُ لصديقي أنّ حجر الزاوية في استراتجية النصر على الخصم هو قطع أصله، وإن لم
يكن ذلك مُمكنا فعزله ومحاصرته. وبالتالي يُمنعُ (أي الخصم) وفي الاتجاهيْن من
الإمداد <---- والامتداد----> حتّى ينهار. والأمثلة على ذلك كثيرة وفي
ميادين مختلفة. واستراتجية تعامل العدوّ "الشيوعي-الاشتراكي أو
الليبرالي-الرأسمالي" مع الإسلام لم تشذّ عن هذه القاعدة، وإن بدت تغيّرات في
آلياتها التكتيكية. فما هي الآليات التي اتّبعها بورقيبة في المسألة التي نحن
بصددها؟
حادثة من صميم الواقع تذكّرتها للتوّ ولم ترد في الحوار مع صديقي: [منذ عقود، قرأنا لأحد المؤرخين التونسيين –لا نذكر اسمه الآن- أنّ الزعيم الحبيب بورقيبة قد أسرّ لفرنسا خلال مفاوضاته مع المحتلّ بأنّه عازم على إنشاء دولة علمانية. ولمّا وصل الخبر لمسامع الشيخ عبد العزيز الثعالبي وإخوانه في الحزب الوطني الإسلامي كوّنوا لجنة لتقّصي الحقيقة، وتوجّهت لبورقيبة للوقوف على مدى صحة الكلام المنسوب إليه.
وصلت الجماعة دار كبير المفاوضين (بورقيبة) الذي تسرّب إليه –هو كذلك- خبر الزيارة وهدفها.
وما إن طُرق الباب حتى خرج خادم (المجاهد الأكبر) ليُرحِّب بأعضاء الوفد ويدعوهم لانتظار سيّده بعض الوقت في قاعة الجلوس، ريثما يفرغ من أداء صلاة المغرب!!!...
فيُقال –والعُهدة على الراوي- أنّ ما كان من القادمين للتحقّق من مدى التزام بورقيبة
بالهوية الإسلامية لتونس إلاّ أن تبادلوا نظرات الاستغراب ثم قفلوا راجعين..]
والمدقّق في الحادثة يجد أنّ بورقيبة بفعلته تلك قد حاصر المرحوم الثعالبي
في الزاوية لانتفاء تهمة الإلحاد عن بورقيبة "المجاهد الأكبر". وأعود
للحوار مع صديقي
قلت: إنّ شياطين الإنس مثلها مثل شياطين الجنّ تُمرّر برامجها على جرعات. فما عرضتُه عليك من قبل (الجزء1) لن يتمّ تنفيذه بين يوم وليلة، أي وشيخك على أتمّ جِهازته واستعداده.
انظر تدرّج "المجاهد الأكبر" بورقيبة في محاصرة الإسلام: أغلق الجامعة الزيتونية، وأوقف تعدد المذاهب، ثمّ أبطل الوقف الإسلامي (حلّ الحبِس)، وبعدها أصدر مجلّة الأحوال الشخصية، كما تعرّض لمحاولة انقلابية -مفبركة أو حقيقية- ووو...
قلت: إنّ شياطين الإنس مثلها مثل شياطين الجنّ تُمرّر برامجها على جرعات. فما عرضتُه عليك من قبل (الجزء1) لن يتمّ تنفيذه بين يوم وليلة، أي وشيخك على أتمّ جِهازته واستعداده.
انظر تدرّج "المجاهد الأكبر" بورقيبة في محاصرة الإسلام: أغلق الجامعة الزيتونية، وأوقف تعدد المذاهب، ثمّ أبطل الوقف الإسلامي (حلّ الحبِس)، وبعدها أصدر مجلّة الأحوال الشخصية، كما تعرّض لمحاولة انقلابية -مفبركة أو حقيقية- ووو...
سنة66 أو67، كنتُ عامها تلميذا بمعهد رأس
الجبل. ولمّا أطلّ علينا شهر رمضان، كيف تعامل الإطار التربوي البورقيبي معنا
كتلاميذ؟ كانت الخطّة العامة ألاّ تغيير في الأوقات (أوقات الدراسة، المراجعة،
مواعيد الطعام...). كنّا نستلم لُمجاتنا الخامسة مساء، فيحتفظ بها الصائمون منّا
(نعم منّا، فقد كان منّا المُفطرون لأسباب مختلفة). حتى إذا حان موعد الإفطار
قضمنا قطع الخبز مع الجبن أو الشوكولاطا قضما خوفا من أيّة زيارة فُجئية. ولا زلتُ
أذكر الردّ الروتيني لقيّم حراسة قاعة المراجعة كلّما استأذنه تلميذ في التوجّه
إلى دورة المياه لتناول جرعات ماء يقول: "احمد ربّك أنّي عملت روحي ما شفتكش وانت تاكل، وهذي
مزيّة منّي"
وتستمرّ المراجعة إلى الثامنة ليلا، موعد العشاء. نتحوّل بعدها من طريق
الشاطئ إلى وسط المدينة حيث المطعم وعلى مسافة غير قريبة منه المبيت. نتناول وجبة
العشاء على فوجيْن. وفي باب الخروج من المطعم نمرّ بقيّميْن اثنيْن وقد وضعا
بالقرب منهما سلّة كبيرة. نجتاز حاجز التفتيش واحدا واحدا، وكلما عثر أحدُهما على
قطعة خبز وقد مُلئت كسكسا أو مقرونة بين طيّات ثياب أحدنا إلاّ وأخذها منه ورماها
في السلّة الكبيرة. ولا تسأل عن فرحة تلميذ وقد نجح في اجتياز الحاجز مُحمَّلا
بتفّاحة أو قطعة خبز جافّة، ستكون وجبة سحوره.
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ. بل غالبا ما يُفاجئنا فريق التفتيش ليلا
بحملات مداهمة لخزاناتنا بالمبيت. ويقوم بحجز كلّ ما يعثر عليه من مأكولات بدعوى
أنّها مجلبة للفئران.
أمّا في منتصف النهار، فيسوقنا – صائمين ومُفطرين- قيّم الحراسة من المعهد
بطريق الشاطئ إلى المطعم بوسط مدينة رأس الجبل بدعوى عدم توفّر قيّم ثان لإبقائه
على حراسة الصائمين داخل المعهد. نصل المطعم فنُجبَر على الجلوس لطاولة الفطور.
والردّ الروتيني للقيّم هذه المرّة يأتي في اتّجاه معاكس: "احمد ربّك أنّي عملت روحي ما شفتكش وانت ماكش
قاعد تاكل، وهذي مزيّة منّي".
هذه فقرة من كتاب احترام بورقيبة
لحرية المعتقد...
أتدري صديقي
لماذا لم يُعلن وقتها - أي فقهاء ذلك العصر- الجهاد على بورقيبة ساعتها؟ لأنّ هذا الأخير
لم يقم بهذه الخطوة إلاّ بعد أن جفّف منابعهم وأصبح من السهل على "المجاهد
الأكبر" احتلال ساحة الجهاد. ألم أقل لك إنّهم شياطين إنس.
على كلّ يا صديقي، تأخّرت بنا الساعة، فالسلام عليكم.
**وكنت قصدت أن تكون خاتمة الحوار على هذا النحو.
والسلام، عثمان الدرويش
05 / 10 / 2011
مسؤولية وحقوق هذه المادّة لصاحبها
.