ألا يضمن الإسلام مبادئ كلّ من الرأسمالية
والاشتراكية؟
فإذا كان الأمر كذلك، فلِمَ الخوف من التشريع
الإسلامي؟
-2-
...
كنّا قد عرضنا على الرابط: http://penseesopinions.blogspot.com/2012/10/blog-post_30.html ضمان الإسلام للحرية الفردية –وهي ركيزة الرأسمالية- وذلك من خلال
إقامة الحدّ على السارق المعتدي على ملكية غيره. وتوّقفنا عند حدّ الزناء بطرح
تساؤل: أليست هذه أيضا حريّة فردية لمُقترِفَيْ هذا الفعل بالتراضي؟ فَلِمَ يُقامُ
عليهما الحدّ حسب الآية 2 من سورة النور؟:
[الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ].
فنقول وبتوفيق من
الله، إنّ العقوبة المنصوص عليها في الآية الكريمة ليست انتقاصا من حرية الفرد،
وإنّما هي ضمان للعدالة الاجتماعية –وهي ركيزة الاشتراكية- والآية الموالية تشرح
ذلك: [وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ] 4 سورة النور. يعني إدانة المُذنب مرتبطة بشهادة أربعة
أشخاص. إذْ بِتوفّر هذا الشرط يكون مُقترف الجريمة بفعلته تلك قد استهتر بالمجتمع
بأسره ، وتجاوز حرّيته الفردية ليهتك حرمة المجتمع بأكمله، وإلاّ كيف تمكّن أربعة
أشخاص من ضبطه مُتلبِّسا بالجريمة.
ثمّ خذ برهانا آخر على أنّ العقوبة جاءت
لحماية المجتمع وليست تحجيما لحرّية الفرد. اُنظر لعقوبة القاذف (الشخص المُتّهِم
لغيره كذبا بهذه الجريمة، أي لم يأتِ بأربعة شهداء). والآية صريحة: [وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ] 4 سورة النور. فتوفّرُ أركان الجريمة يُوجب إقامة
الحدّ على الزاني مائة جلدة/انتهى/ بينما تكون عقوبة القاذف أشدّ:
1- ثمانين جلدة لتعدّيه على حرمة الفرد.
2- عدم قبول شهادته مستقبلا في أيّ شأن من شؤون المجتمع،
أي بلغة العصر إسقاط حقوقه المدنية والسياسية.
فمثال إقامة الحدّ على السارق والزاني هو شاهد على ضمان الإسلام
لحق الفرد وحق المجتمع في نفس الوقت في مسألة الحدود، المسألة التي طالما أرعبت
العامّة وأحرجت الخاصّة. وقس على ذلك بقية جوانب الحياة. والله أعلم.
ولكن، إذا كان الإسلام قادرا على احتواء إيديولوجيتيْن
متنافرتيْن: (الرأسمالية والاشتراكية) في مبادئهما الأساسية، فلِمَ النفور-إذن-
من التشريع الإسلامي؟
القضية
ببساطة شديدة تتمثّل في تهرّب كلّ من الرأسمالي والاشتراكيّ من مرجعية نهائية
ثابتة. فالرأسمالية في نسختها الحديثة (الليبرالية) تُريد أن يكون الإنسان
المتغيّر مرجعية نفسه، أي أنّ الفرد هو [الـــسيّد]. بينما تجعل الاشتراكية
المرجعية في المجتمع المُتحوّل، أي أنّ المجتمع هو [الـــسيّد]. في حين أنّ التشريع
الإسلامي يعتبر الإنسان عبدا لله سبحانه وتعالى، [سيّدا] في ما دون ذلك. ويتّضح من
خلال ما كنّا بصدده الفرق بين تشريع الهوى الوضعي وتشريع الوحي السماوي. [ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى / إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ] النجم/
3، 4
ويُخاطب الله رسوله عليه الصلاة والسلام
بقوله تعالى: [ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ
هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ] القصص/50
ونختم
بالآية 43 من الفرقان: [ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ]
والسلام، عثمان الدرويش
25 / 09 / 2011
مسؤولية وحقوق هذه
المادّة لصاحبها
.