التقييم الخارجي
للمُربّين مرفوض في كلّ الأزمنة
1-
زمن بورقيبة
كنّا نحن
المعلّمين في العالية –مثل بقية زملائنا- مُتحمّسين لتحسين نتائج تلامذتنا من خلال
دروس تدارك ومراجعة، أيام العمل والعطل، بالمقابل وبالمجّان. حتى جاء يوم قرّر فيه
رئيس البلدية وقتها، -والوزير الدائم في عهدي بورقيبة وابن علي- إسناد منحة مالية
قيمتها ألف دينار لمعلميْ القسم الذي يُحقّق أفضل نتيجة في امتحان ختم الدروس
الابتدائية (سيزيام)، يقتسم المنحة معلما القسم مع مدير تلك المدرسة مناصفة.
في تلك السنة،
شهد الوسط التربوي –محليّا- توترا شديدا، وتبادلا للتهم:
* فلان اختار أحسن تلاميذ
السنة السادسة.
* عمرو أجبر أحد تلاميذ فصله على الانقطاع وسط السنة الدراسية.
*
زيد أعاد تلميذا إلى السنة الخامسة، بعد أن كان مجلس الأقسام قد أقرّ نجاحه
للسادسة.
*.....
انتهت السنة
الدراسية وخرجت نتائج (السيزيام)، فتمّت دعوتنا للتكريم. حضر الوزير محفوفا
بزملائه وأصدقائه. أخذ الحاكم بأمره الكلمة مهنّئا شاكرا حتى وصل إلى قوله: هذا
يوم فرحة هذا يوم... طلبت الكلمة فأذن لي. قلتُ: هذا اليوم كان بعيدا عن الفرحة.
هذا يوم rancuneيوم
حقد. أنت جعلت المعلمين يتناحرون، يشتم بعضهم بعضا. كانت نتائجنا جيّدة قبل منحتكم
هذه... فجأة يُقاطعني صائحا سابّا: نعن رَ رَ رَ ... ويقذفني بمفاتيح سيارته. جلست
مكاني، تصاغرت فيه والتزمت الصمت.
انتهى اللقاء
فاقتربت من السيّد الوزير معتذرا. فإذا به يُربّتُ على كتفي قائلا: لا عليك، لا
تهتم.
غادر الوزير
والوفد المرافق له، وعدت إلى منزلي معتقدا أنّ المسألة منتهية. وإذا به يتمّ
استدعائي في نفس اليوم –يوم أحد، عطلة- من ثلاث جهات: أمنية وإدارية وحزبية. ومحور
الاستنطاق كان: كيف تُغضب سيّدنا وتنتقده أمام ضيوفه...
مرّت الأيام
ودارت الأيام، ويضعني القدر أمام الوزير. تجاذبت معه أطراف الحديث، ووجدت نفسي
أقصّ عليه ما لحقني من مضايقات بسبب ذلك التدخّل. وإحقاقا للحق، مازلت أذكر قوله
يومها: بالله ربي، لو يمسّك أحد بسوء j’y mettrai tout mon poids
. وفعلا، مرّت تلك الأزمة بسلام، أو هكذا بدا لي.
رحل بورقيبة
وجاء ابن علي واحتفظ صاحبنا بمنصبه، وواصل فرض سيطرته على العالية بشرا وشجرا
وحجرا. وأراد أن يُعيد الكرّة لتقييم المربين لكن هذه المرّة بطريقة مغايرة تماما،
وكان ردّنا الذي سنعرضه لا حقا بإذن الله.
ملاحظة: مرّ زمن، حتى جاءني صديقي
مدير المدرسة عام 85 أو 86 ليطلب منّي مرافقته وزميلنا الثالث إلى القباضة المالية ببنزرت لتسلّم قيمة الجائزة المالية المذكورة أعلاه. فالجائزة كانت هبة من بلدية العالية
التي كان الوزير يرأسها. والوثيقة كانت تحت عنوان prix scolaire وتخصّ بالاسم المستفيدين الثلاثة: أنا وشريكي في
الفصل الفائز ومدير المدرسة. وبما أنّ القباضة المالية لا يُمكنها صرف المبلغ إلاّ
بحضور ثلاثتنا، وتحت إلحاح زميلي –أطال الله عمره- ومدير مدرستي –شفاه الله- قبلت
مصاحبتهما إلى القباضة المالية، حيث تسلّمتُ نصيبي من المكافأة المالية، واحتفظتُ
عندي بالوصل المشترك في أرشيفي الشخصي.
يتبع بإذن الله، عثمان الدرويش
29 / 09 / 2013
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire