في فكر قائد ثورة جويلية بين اللغة والاجتماع
دراسة الجوانب اللغوية والاجتماعية في خطاب قائد ثورة جويلية يحتاج على الأقلّ لعالم في الألسنية وآخر في علم النفس الاجتماعي، ولكنّنا سنحاول مجتهدين تفكيك بعض رموزها مع تحييد خلافنا معه حول الأمر 80 المُمتطي للفصل 80 .
لقد
نجح قائد ثورة
جويلية في
خطاباته
في استبعاد بعض جوانب الواقع أو تقييدها
أحيانا وإبقاء بعضها الآخر بل وتضخيمها
أحيانا أخرى، بطريقة جعلت المُتلقّي
يقبل البنية الجديدة ويتحيّز لها أيضا.
وبما
أنّ قائد ثورة
جويلية
متمكّن من نموذجه الإدراكي الخاص
به،
فقد تمكّن من عقول الكثير
أو القليل من مخاطَبيه
لا حول
كيفية
شرح الوقائع وتحليلها فحسب بل ولنوعية
الحلول المقدَّمة بشأنها كذلك.
وخلق
بذلك
بنية
جديدة متماسكة -عند
أتباعه-
يصعب
خرقها.
وبما أنّ اللغة كما يراها "إدوارد سابير"[ وسيلة إنسانية خالصة، وغير غريزية إطلاقًا، لتوصيل الأفكار والانفعالات والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية.] وحيث أنّ كلّ فهم يُعبّر عن نفسه داخل اللغة: فإنّنا نشهد للباثّ [معجبين بمحسّناته اللغوية –كالسجع والجناس والطِباق وغيرها–] إبداعه في ارتداء ثوب الرّمز، وقدرته على تحويل قوة اللغة إلى لغة القوة لينقل المُتلقّي من الكبت والتفريغ إلى الاستثمار.
وللاستدلال على ذلك، نأخذ على سبيل المثال استعمال الأرقام في خطاباته:
قبل 25 جويلية 2021 كان قائد ثورة جويلية يتجنّب عرض الأرقام في خطاباته، وكُنّا نتفهّم ذلك على أساس أنّه ذو ميولات أدبية ولا شأن له بالعلوم الصحيحة، من جهة. ومن ناحية أخرى هو يُريد أن يكون حرّا طليقا لا سلطان عليه، حتى وإن كان ذلك السلطان هو الأرقام. وينطبق عليه قول الفرنسية المعاصرةKarine Giebel : يُمكنك أن تحلم بالكلمات، لكن مع الأرقام عليك أن تحسب. On rêve avec des mots. Avec les chiffres, on compte.
ولكنّ المتابع لخطابات القائد بعد 25 جويلية 2021 يجدها محشوّة بأرقام ووحدات قيس متباينة ومتنافرة. فيتأكّد لنا أنّ قائد ثورة جويلية -زيادة على الاستنتاج السابق-ينطبق عليه قول الكاتب الفرنسي Didier Hallépée : الأرقام مثل الناس: إذا عذّبتهم بما فيه الكفاية، يُمكنك أن تجعلها تقول أيّ شيء. Les chiffres sont comme les gens. Si on les torture assez, on peut leur faire dire n’importe quoi.
وبما أنّ المُتقبِّل قد تزعزعت ثقته في مؤسسات الدولة ورجالاتها، فقد جاء قائد ثورة جويلية ليُسيطر على مداركنا ويُفكّر بدلا عنّا بما يخدم مشروعه الخاص. ولم يكن هذا صعبا عليه وهو البارع في تعديل أهدافه وتغيير أساليبه باستمرار في ضوء الأحداث الجارية. وبالتالي قتل القدرة على التعقّل الواعي في المُتلقّي وجعله عاجزا على الإنتاج والابتكار . لذلك نجد المُتقبّل بعد كلّ خطاب مكتفيا باستظهار درس تمّ تلقينه إيّاه وأحيانا بأدقّ تفاصيله.
لقد خطّط قائد ثورة جويلية ونفّذ واستثمر كما يصنع المُنتِج بالمستهلك. إذ يعتمد على ميولات المستهلك لإثارة ميولات جديدة عبر الإعلام والإعلان، وعندما تتحوّل الرغبة إلى حاجة لم يكن يحتاجها من قبل، ويصبح عاجزا إلاّ عن الاستجابة. عندها يُقدّم المنتج سلعته ليكون المُتلقّي أحد اثنين إمّا هالكا أو مستهلكا. وهنا يكمن خطر الأسلحة السيكولوجية التي لدى قائد ثورة جويلية، والتي لا تقلّ فتكا عن بقية أسلحة الهدم والفساد المُسلّطة على الشعب.
حاشية: الجزء الأكبر من هذا المقال من مقتطفات لكُتيّب لنا تحت عنوان: مقاربة اجتهادية في مهرجان النصر، تناول انتصار حسن نصر الله على الكيان الصهيوني في حرب يوليو/تموز2006 وكُنّا توقّعنا في هذه الدراسة-رمضان1427/ أكتوبر2006- سقوط نصر الله السياسي ونهاية معاركه ضدّ الصهاينة.
والسلام، عثمان الدرويش
01 / 09 / 2021
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire