.
مقاربة
ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/14/ في حضرة فلسطين –تتمّة
أصبحنا في ذات جمعة من أوائل شهر جانفي 2009 وأصبح الملك لله، تلاميذ ومعلّمون يدخلون المدرسة فيدوسون نجمة الصهاينة المرسومة
على الأرض [ولاتزال أثار الحبر الأزرق إلى اليوم عالقة بأسفل الخدّ الأيمن للباب
الفرعيّ للمدرسة]. كانت المشاعر مختلطة متضاربة. بعض الصغار يخرجون من المدرسة
ليتمكّنوا ثانية من عفس شعار العدوّ -شماتة وربما تقليدا-. وبعض الكبار ينظرون من
طرف خفيّ -حيرة وربما خوفا-. وفي فترة الراحة للعاشرة صباحا، وبعد أن عرضت الأمر
على تلاميذ القسم ليكونوا على دراية بمستقبل الأحداث. خرجوا وخرجتُ معهم ونحن ننادي
[غزّة غزّة/ رمز العزّة]. انضمّ إلينا كلّ التلاميذ من القادمين والمغادرين. بقيتُ
مع الصغار –فترة الراحة فقط- نجوب الساحة ذهابا وإيابا نهتف لغزّة وثوّارها. وبقي "العقلاء" من الكبار جانبا، وقد اكتفوا بمتابعة المشهد بعيونهم، وحتما بمشاعرهم.
بعد
منتصف النهار، حان موعد صلاة الجمعة. كانت مجريات الأحداث في واد وخطبة الإمام في
واد آخر. وما إن فرغنا من الصلاة حتى صحت: [غزّة غزّة/ رمز العزّة] كررتها مرّة
ومرّات. فلم يستجب أحد. تساءلتُ، ربما أخطأت في اختيار الشعار، فأنا وسط مسلمين مؤمنين
مصلّين. غيّرت النداء بسرعة وصحت: [لا إله إلاّ الله/ والشهيد حبيب الله] كررتها
مرّة ومرّات. فلم تكن النتيجة أفضل من سابقتها. بل ساعتها كان الكثير قد غادر
المسجد، والبعض من –المستنهضين لاحقا- قد حمل حذاءه في يده ربحا للوقت. انتهى
المشهد الهزلي، واقترب منّي بعض المُصلين وهم يواسونني ويلومون أنفسهم. وقد بلغني
فيما بعد أنّ بعض المصلّين كان قد استجاب لندائي، لكن بين طيّات ثيابه.
ولعدم
الإطالة، نمرّ إلى الجمعة الموالية. فالعدوان الصهيوني متواصل. والأطفال أصبحوا أكثر
اهتماما بالمسألة. كانوا يستوقفونني متسائلين: [وقتاش سيدي نعاوْدُوا غزّة غزّة]
فأحتار....هل أُخبرهم بما يجهلونه...؟
كان
11 جانفي على الأبواب،11 جانفي هو يوم "العيد الوطني للطفولة" في عهد ابن علي، وسياستنا
التربوية الرشيدة ترتكز على الوضعية الدّالة وتنصّ على استعمال المثيرات العصرية.
فطلبت من المتسائلين من الأطفال إعداد بحوث وصور تتناول عيد الطفولة في غزّة
مقارنة ببقية الدول. في نفس الزمان والمكان وبنفس الشخصيات كان الاحتفال بعيد
طفولة غزّة. لكن هذه المرّة كانت التظاهرة أكثر تنظيما. فالكثير من الصغار
استعدّوا للمناسبة بصور المجزة (الصورة المصاحبة). وألقى بعضهم في الساحة على
الحاضرين أدعية وقصائد. وبقي "العقلاء" من الكبار جانبا، وقد اكتفوا بمتابعة المشهد بعيونهم، وحتما بمشاعرهم. ثمّ انتهى المشهد المدرسي.
بعد
منتصف النهار، حان موعد صلاة الجمعة. وكالعادة، كانت مجريات الأحداث في واد وخطبة
الإمام في واد آخر. وما إن فرغنا من الصلاة حتى كنتُ أوّل المغادرين. وقفتُ على
الباب في صمت وأنا أرفع لافتة، كنت قد خبّأتها بين طيّات ثيابي، كتبت
عليها:[ يتوضّأ العدوّ بدمائنا / ونحن نُمنع من الصلاة جماعة ] خرج المُصلّون فرادى
وجماعات، كان القليل منهم يتوقّف للحظات لقراءة اللافتة، والأغلبية تمرّ مُسرعة
دون التفاتة. ولم تكن نتيجة هذه الجمعة أفضل من سابقتها.
في جمعة الأسبوع الثالث وكان العدوان قد توقّف، وبنصيحة من صديق توقّفت عن تحريض الصغار
والكبار. حلقت لحيتي وانتقلت للصلاة في مسجد آخر. ولو كنت أعلم أنّه لا يفصلني سوى
155 جمعة فقط لرؤية إسماعيل هنية في تونس على منبر عقبة بن نافع، /الشريط المصاحب:
http://www.youtube.com/watch?v=829zFof1YiI&feature=share
لما امتثلتُ لنصيحة الصديق.... ولكن ما شاء الله
كان.
يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة
06 / 01 / 2012
مسؤولية
وحقوق هذه المادة لصاحبها
.