.
في
تحصين الأسرة -31/5
حاشية
2: الأسرة التونسية بين التراحم الإسلاميّ والتعاقد العَلمانيّ
قلنا
في هذا المقال المُطوّل: إنّ لتلفزيون الواقع دورا أساسيّا في تفكيك الأسرة
التونسية. ثمّ وفي موضع آخر، قلنا: إنّ هذه البرامج الماكرة دخيلة على مُجتمعنا،
وهي مستنسخة من برامج غربية عَلمانية. واعتبر البعض القوليْن متناقضيْن بدعوى: كيف
يكون نفس البرنامج في الغرب عامل تجميع، وفي تونس عامل تفرقة؟
وعليه
نقول: إنّ هذا الاستنتاج مجانب للصواب، فالتفكّك الأسري في الغرب أشدّ حدّة ممّا
هو عليه الحال عندنا. ولكنّ الوضع عندهم أصبح ظاهرة عادية ولم يعد موضع تأزّم أو انشغال، وذلك لأسباب عديدة يهمّنا منها
في هذه المساحة: التعاقد الاجتماعي.
إنّ
المواطن الغربي –وهو فرد من الأسرة- يُقدّس العقد الاجتماعي، وبالتالي هو يسعى
لاحترام قوانينه الصريحة والضمنية منه: يتزوج ويُطلّق، يهجر ويُعاشر، يتبنّى مولود
غيره ويخلع ابنه، يغلق الباب دون ولده البالغ ويفرض على ابنته الخارجة عن كفالته
جراية شهرية… كلّ ذلك في إطار قوانين وضعية، يعتبرها الغربي هي الضامن الوحيد
لحقوقه في جميع الحالات وعبر كلّ مراحل حياته. وفي هذه الحالة، فمن الطبيعي أن
يكون برنامج مثل "شريك العمر" أو "عندي ما نقولك" في نسخته
الغربية عامل تجميع ولمّ شمل.
أمّا
المواطن التونسي –وهو فرد من الأسرة كذلك- يعتبر المُشرّع الأرضيّ عدوّا له،
وبالتالي فهو يسعى جاهدا للتحايل على هذه القوانين الوضعية قصد تجاوزها. ولكن في
المقابل تجده يجتهد بكلّ ما في وسعه على احترام تعاليم دينه والتقيّد بالضوابط
المُتعارف عليها داخل مجتمعه العربيّ المسلم، لا يُريد من وراء ذلك لا جزاء ولا
شكورا من أحد. يقوم بواجباته العائلية في أسرته الضيّقة وحتى المُمتدّة تنفيذا
لأوامر إلهية، لا خوفا من إجراءات ردعية أو عقوبات جزائية. فمَثله كمَثل مُخرج
الزكاة، ومَثل الغربيّ كدافع الضريبة. لذلك تجده إذا قصّر لام نفسه، وإذا أخطأ
استغفر، وإذا عصى استتر.
حتى
إذا حضر أو شاهد وكرّر مشاهدة برامج تلفزيون الواقع وجد خطاياه التي كان يعدّها –من
قبل- بينه وبين نفسه من الكبائر ليست سوى ذنوب بسيطة مقارنة بفضائح ضيوف "شريك
العمر" أو "عندي ما نقولك". وبانتقال الفعل من الانحراف إلى
الإباحية تتغيّر خريطته الإدراكية، ويصير عنده الاعتداء على المجتمع –وبالتالي على
الأسرة- حريّة شخصية وتنوّعا فكريّا. ويُصبح برنامج مثل "شريك العمر" أو
"عندي ما نقولك" في نسخته التونسية المشوّهة عامل تفرقة وتفكيك أواصر
الأسرة، نواة التنظيم الاجتماعي. وعندما ينتهك المُدافع على مشروع تلفزيون الواقع
-عن وعي أو بدونه- تقاليد المجتمع والعرف الجاري به العمل داخله، يُصبح من السهل
عليه الاستهتار بالتشريع السماوي المقام أساسا على التراحم الأسري، نظرا للعلاقة
الجدلية بين الطرفيْن. –وقد وضّحنا هذا في -1-، وسنُضيف لاحقا بمشيئة الله مثاليْن
اثنيْن في الغرض.
وخلاصة
القول نجد العَلمانيّ الذي أسقط من نموذجه الإدراكي التشريع السماوي، ظلّ مُلتزما
بالقانون الأرضي التزاما كلّيّا. أمّا التونسي المُكتفي بالأحكام الإلهية عن سواها
من القوانين الوضعية، فبرفضه هو من ناحية مشروعية السلطة الأرضية ونزع تلفزيون
الواقع القداسة عن السلطة الربّانية من ناحية أخرى يجد نفسه -أيْ المُتبنّي لمشروع
تلفزيون الواقع- خارج دائرتيْ القانون الوضعي والتشريع الإسلامي في آن واحد. ولن
يشعر بانسلاخه عن دينه ودنياه إلاّ بعد فوات الأوان، خصوصا إذا اعتمد في تبرير
منهجه على "فتاوى شرعيّة" لبعض شيوخ النت. ولهذا كلّه لم نر تناقضا بين
القوليْن الوارديْن في المقدّمة أعلاه.
والسلام،
عثمان الدرويش
07
/ 06 / 2013
مسؤولية وحقوق هذه المادة
لصاحبها
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire