.
في تحصين الأسرة من عدوّها، تلفزيون الواقع -31/3
كنّا نقلنا في -1-: http://penseesopinions.blogspot.com/2013/06/1.html الحكمة الإلهية من اعتبار عقوق الآباء كبيرة من الكبائر حسب أهل
الذكر.
وعرضنا في -2-: http://penseesopinions.blogspot.com/2013/06/2.html حادثة رمزية من وجهيْن لعملية تمرّد على الأسرة أدّت إلى إسقاط ابن
علي، حسب وجهة نظرنا.
وننتقل هنا بتوفيق من الله لنبحث إن كانت نسمات الربيع العربي قد
لطّفت من حدّة عداوة تلفزيون الواقع للأسرة، وذلك من خلال مثاليْن اثنيْن:
· المثال الأول: برنامج كـ: "عندي ما نقولك" أو
"المُسامح كريم" وما شابههما، واجهته البرّاقة هي إصلاح ذات البيْن
(وغالبا ما يكون المتخاصمان من أسرة واحدة كالأخويْن أو الزوجيْن...) أمّا طريقته
فهي تبدأ باتّهام كلّ طرف الطرف المقابل بالانحراف الأخلاقي أو الاجتماعي، فيكشف
الواحد عورات الآخر. ثمّ يجمع البرنامج بين المُتخاصميْن لينتقل إلى مرحلة
المصارحة. فتنقلب المفاهيم وتتحوّل الخيانة الزوجية إلى حريّة شخصية والغدر دفاعا
مشروعا عن النفس. وسواء نجح البرنامج في الإصلاح المؤقّت بين الولد وأبيه أو
الزوجة وزوجها أم لا، فقد حقّق تلفزيون الوقع غايته الخفيّة وهي إباحة المحظور من
خلال اختراق حصن الأسرة وهتك حرمتها./.
مع الملاحظة أنّ البرنامجين المذكوريْن (عندي ما نقولك والمُسامح كريم)
هما من مُخلفات العهد السابق للثورة، ويتواصل بثّهما بعد 14 جانفي 2011 بنفس الثوب
على قناتيْن خاصّتين ومن طرف مذيعيْن شقيقيْن من أمّ واحدة ونفس الأب.
· المثال الثاني هو برنامج من تلفزيون الواقع كذلك، ولكنّه من مبتكرات
عهد الثورة ويُبثّ على القناة الوطنية الأولى (الرسمية)، ويحمل عنوان: "شريك
العمر".
شريك العمر يستضيف في كلّ حصّة زوجيْن اثنيْن (شاب وزوجته، وشاب ثان
وزوجته كذلك). وعلى عكس برنامجيْ "عندي ما نقولك" و"المُسامح
كريم"، فإنّ الزوجيْن الضيفيْن في شريك العمر يعيشان في سعادة ووئام –أو هكذا
يبدو-.
يتمحور برنامج ""شريك العمر" حول مسابقة يطرح فيها
مهرّج البرنامج أسئلة تتعلّق بالحياة الزوجية على المتسابقيْن (الرجليْن) ثمّ
يُعيد في مرحلة ثانية نفس الأسئلة على المتاسبقتيْن (المرأتيْن). والزوج الرابح هو
مَن تطابقت أجوبته مع أجوبة زوجته تطابقا كاملا، دون أن يكون أحد الطرفيْن قد سمع
إجابات زوجه. ولنا أن نتخيّل نوعية الإجابات عن أسئلة تتعلّق بمواقف حميميّة جدا
بين زوجين، أو الإجابة عن: كيف ينام زوجك؟ أو كيف تستحمّ زوجتك؟ والسؤالان مقتبسان
من البرنامج المذكور. وقد يسأل سائل: ولكن كيف يكون برنامج "شريك العمر"
مُدانا مثله مثل "عندي ما نقولك" بتهمة زعزعة الأسرة وهتك سترها.
نجيب فنقول: إنّ تلفزيون الواقع –وإن تغيّر تكتيكيا- فاستراتيجيته
بقيت ثابتة، ألا وهي نسف آخر قلعة تعتزّ بها الأمّة العربية الإسلامية، قلعة
الأسرة أو ما تبقّى منها. فبرنامج "عندي ما نقولك" يعمل صراحة على إشاعة
الفاحشة داخل المجتمع، ولكن ضمن اتّهامات واتّهامات مضادة. ومشاهدوه يكونون في
حالة انفعال وتشنّج وينقسمون بين مُصدّق ومُكذّب، رافض وقابل حسب انحيازهم إلى هذا
الطرف أو ذاك. بينما يكون المتابعون لِـ "شريك العمر" جميعهم في حالة
استرخاء، مُستسيغين لما يحدث، قابلين للاستبدال، حسب تعبير الفيلسوف الألماني هايدغر.
وهنا تكون المصيبة أعظم على المجتمع عامة والأسرة خاصة. إذ يتحوّل
الانحراف المُدان في "عندي ما نقولك" إلى إباحية مقبولة في "شريك
العمر". وتظلّ النتيجة واحدة: نسف هوية الأمّة وتشكيل ذاكرة جديدة مكانها
تفصل الفرد عن كل القيم
الإنسانية والأخلاقية والدينية ونزع القداسة عنها حتى يسهل بعدها تحويل الإنسان
إلى مادة استعمالية يُمكن توظيفها لصالح الأقوى، حسب تعبير المرحوم المسيري.
ملاحظة: "شريك العمر" مستنسخ من برنامج
"المُحبّون" للقناة الفرنسية 2 والمذاع منذ أكثر من عقديْن. فهم -أي
الغرب الليبرالي- يحتكرون التكنولوجيا، يتحكّمون في أسواق المال والاقتصاد،
يحتكرون أسلحة الدمار بأنواعها، ويُعَوْلمون " شريك العمر وستار أكاديمي وبيك برودار..." من باب
حرية الإبداع دون مراعاة لأخلاق الإبداع.
وسيظل مطلبنا في تحصين الأسرة قائما، حتى وإن تراجع الرافعون عن
مطالب تحصين البوليس وتحصين رجال الإعلام ورجال الأعمال وتحصين الأحزاب الحاكمة وغيرها، والتي كانت الدافع لهذا
المقالالمطوّل.
والسلام، عثمان الدرويش
05 / 06 / 2013
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire