.
هم يريدون –فقط- انتزاع شرعية -10
مظلومية بوليس ما بعد الثورة في تونس
كانت تونس دولة بوليسية بامتياز. قبل رحيل ابن
علي أو ترحيله بأيام انهارت المؤسسة الأمنية وتوارت قوات الشرطة عن الأنظار. وبعد
14 جانفي 2011 برزت عصابات وجمعيات احتلّت مكان المنظمات الحكومية وغير الحكومية
التقليدية، والتي عجزت في التعامل مع أزمة ديسمبر 2010/ جانفي 2011. سرعان ما
تغوّلت هذه المجموعات الحديثة وكادت تبتلع مؤسسات الدولة ابتلاعا.
عمّت الفوضى، ثمّ تحوّلت إلى صراعات إيديولوجية
كادت تؤدي بالبلاد إلى حرب أهلية. دفعت فيها المؤسسة الأمنية الضريبة الأعلى من
اعتداءات على مقرّاتها وقتل وجرح العشرات من أعوانها. بعد سقوط حكومة الترويكا
(النهضة) وتولّي حكومة غير حزبية مكانها، استرجعت الشرطة هيبتها شيئا فشيئا. وانعكس
شعور أعوانها بالمظلومية سلبا على نظرتهم للعدالة، فأصبحوا أشد ظلما أحيانا مِمَن
ظلموهم. وصارت شرطة ما بعد حكومة الترويكا أشدّ عنجهية في التعامل مع المظنون
فيهم وأكثر قسوة من بوليس ابن علي، مستغلّة في ذلك تعاطف شرائح عديدة من الشعب،
ومباركة أحزاب سياسية وصمت منظمات حقوقية.
والسؤال الذي يفرض نفسه
هنا: هل أنّ ما تقوم به المؤسسة الأمنية من مداهمات واعتقالات وما يحصل خلالها
أحيانا من تجاوزات هي إجراءات ظرفية مؤقّتة أم هي استراتيجية لمرحلة قادمة دائمة؟
إنّ
المتابع للحالة التونسية -بعد انتخاب المجلس التأسيسي وتنصيب حكومة الترويكا-
يستنتج ضعف فاعلية المؤسسة الأمنية في الردّ على ضربات موجعة تلقّتها على أيدي
تنظيمات إرهابية وعصابات إجرامية. وضعف مردودها لم يكن تقصيرا أو عجزا، وإنّما كان
لضاغطات فرضها عليها التناحر السياسي بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة وقتها.
واليوم تدخل تونس استحقاقا انتخابيا لم تتّضح
معالمه بالدرجة الكافية. ولكنّنا نزعم أنّ المؤسسة الأمنية سترفض الدخول مُجدّدا
في نفق المجهول، ولن تقبل التنازل هذه المرّة على ما حققّته من إنجازات هيكلية
وميدانية، مُتذرّعة بالمظلومية التي عاشتها طيلة السنوات الأربع الأخيرة. وعامل المظلومية لوحده قادر على أن يجعل البوليس يُحقّق هدفه.
فالكلّ يعلم أنّ حزب النهضة ما كان ليصل إلى سدّة الحكم في 2011 لولا تلويحه
بمناسبة وبدون مناسبة بالمظلومية التي طالته خلال حكميْ بورقيبة وابن علي.
وعليه، فستكون خارطة الطريق للمرحلة
الدائمة بشطريْها المعلن والمخفي كالتالي: يُمسك البوليس بكلّ خيوط
السلطة تاركا لنخب المال والسياسة حرية تقاسم الكراسي على ركح مسرح الديمقراطية.
وإذا تمّ هذا السيناريو –ونرجو بكلّ
صدق أن لا يحدث هذا- لن تُصبح تونس استثناء في دول الربيع
العربي. وستكون مجرّد مثال. كما عاد عسكر السيسي لحكم مصر، وأمسكت جيوش القبائل باليمن، ورجعت
اللجان الشعبية المسلّحة للسلطة في ليبيا... ستكون نسخة ذلك، كذلك.
والسلام، عثمان الدرويش
18 / 10 / 2014
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.