Pages

Nombre total de pages vues

vendredi 27 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/38


.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/38

الخميس الأسود 26جانفي1978:
تحوّل بورقيبة من اشتراكية ابن صالح  إلى ليبرالية نويرة  -3
...
تعدّدت أوصاف المراقبين لـ الحبيب بورقيبة وتنوّعت حسب المرحلة أو الظرف. غير أنّها تتّحد كلّها في تحقيق هدف واحد هو أن يكون: [هو المنتصر الأوحد دائما وأبدا]. وعودة لما كنّا بصدده، مضى نهار الخميس الأسود مثقلا بحصيلة مئات الشهداء، مئات الجرحى، ومئات المعتقلين.// الشريط المصاحب
 وشرع الحاكم في طمس معالم جريمته منذ الليلة الأولى بعد المجزرة. كلّ ليلة، يقطع التيار الكهربائي على المناطق المحيطة بمقبرة الجلاز، حيث تتوجّه شاحنات الجيش مسبوقة بآليات ثقيلة أخرى. وتستمرّ الحركة هناك لساعتين أو ثلاث. ثمّ يعود التيار الكهربائي ويعود معه الهدوء من جديد. وقد راقبتُ العملية لثلاث ليال متتالية مستغلاّ تواجدي عند أقرباء لي كانوا يقطنون عمارة –حذو سكّة المترو الآن- قبالة مقبرة الجلاز.

وبعد أيام من الخميس الأسود تغيّر وجه تونس كثيرا، وظلّ كذلك لعقود. فلم يعد مسموحا للمترجل المرور على رصيف وزارة الداخلية، ولا الجلوس على درجات بناية الإذاعة والتلفزة بشارع الحرية. وأصبح المواطن يُشاهد فرقا عديدة ومتنوّعة من الشرطة والحرس، وسيارات الجيب العسكرية على الطرقات الرابطة بين المدن لمراقبة تحرّك آليات الجيش. بل إنّ أضواء شارع باب عليوة المقابل لمقبرة الجلاز اتّخذت اللون البرتقالي الحالي منذ تلك الأزمة. كما نُصّبت قيادة جديدة موالية للحاكم على رأس الاتحاد العام بعد ما تمّ الزجّ بقيادتها الشرعية في السجون وعلى رأسها أمينها العام المرحوم الحبيب عاشور. وأصبح النقابي مطالبا بتجديد انخراطه في الاتحاد سنويا، بعد أن كان التجديد يقع آليا. وغاب كلّ ما هو قومي واشتراكي (البنك القومي/الفريق القومي/ الشركة القومية/ عمومي مشترك/ الحزب الاشتراكي...) ليحلّ مكانه تدرجيا الوطني أو الجهوي/ الديمقراطي أو الخاص.

 هل حصلت كلّ هذه التغييرات –وأخرى كثيرة-، فقط بسبب إعلان الاتّحاد عن إضراب عام بيوم واحد؟ أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟
بداية لابد من ومضة خاطفة على أحد المشرفين على المطبخ السياسي البورقيبي، وهو الهادي نويرة. هذا الرجل الليبرالي الفرانكفوني كانت له وظيفتان: محافظ البنك المركزي منذ تأسيسه إلى عام70، ثمّ -ومباشرة بعد فشل اشتراكية ابن صالح- رئيس حكومة (وزير أول) إلى عام80. فهو محرّر الدينار التونسي، وهو صاحب قانون72، والمشجّع على التفويت في أراضي الدولة للخواص، ونقل سلطة القرار الاقتصادي من دولة الخدمات أو الدولة الحاضنة إلى أسواق المال والبورصة. وكلّ ذلك يتطلّب تفكيك النقابات والمؤسسات الإدارية. وطبعا، هذا ما جعل الاتّحاد يضطرّ لمواجهة موجة الهادي نويرة الأولى للعولمة الاقتصادية، بطرق متعدّدة وتصاعدية وصلت قبيل الأزمة للمطالبة بتنقيح المجلّة الانتخابية وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة.

استطراد، الحمد لله أنّ [اتّحاد ديسمبر 2010 /جانفي 2011] كان داعما فقط لاحتجاجات الشعب ولم يكن مهندسا لها، وإلاّ لكان جانفي 2011 نسخة من جانفي 1978، لا قدّر الله.
ونُنهي بإسناد وصف جديد للحبيب بورقيبة: المجاهد الأكبر، والمحامي الأول والعامل الأول والإعلامي الأول ووو... إنّه [المُعَولِم الأول] فهو بالخميس الأسود 78  قد سبق عصر ريغن/تاتشر [79/80 بداية الليبرالية الجديدة والعولمة الاقتصادية] وما حصل بعدها لم يكن سوى نقلة كميّة إلى ما هو عليه العالم الآن.  

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 29 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire