.
مقاربة
ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/23/ رابع أيام الحسم الخمسة// محلّيّا
لقد
تواصلت –كامل يوم الخميس 13 جانفي 2011 اليوم قبل الأخير لرحيل ابن علي- زيارات
السكّان باختلاف ألوانهم وأعمارهم للمباني المحترقة: للوقوف على حقيقة ما يحدث، أو
التقاط الصور التذكارية أو جمع ما تبعثر من الأوراق والوثائق. أغلب الموظّفين
والعمال لم يلتحقوا بأعمالهم الحكومية أو الحرّة. فلا أحد يستطيع التكّهن بقادم
الأخبار. الجميع في حيرة، والكلّ يُصرّ على أنّ مُخرّبي البارحة ليسوا من سكان
البلدة، بل هم أجانب عنها.
انتصف
النهار ولا حلّ في الأفق. وبعد صلاة العصر، علمتُ أنّ بعض المتطوّعين من أهل
البلدة -ثمّ شاهدت ذلك على شريط فايس بوكيّ- قد اجتمعوا بالشباب، وأحاطوهم علما
بالخطر القادم من الخارج مع نزول الليل، ودعوهم لحراسة مداخل المدينة. وكحالة
الشباب دائما فقد أسرعوا في جوّ احتفالي بهيج، مُتأبّطين العِصيّ والأسلحة البيضاء
نحو مشارف البلدة في انتظار الغزاة. الجوّ شديد التوتّر، وعدم انضباط شباب الحراسة
زاده تأزّما. لم يكونوا مُدركين لخطورة الوضع. كنتُ كغيري من الأهالي أسير هائما
دون وجهة. أقف زمنا على هذه الثغرة، ثمّ أتحوّل إلى الأخرى. أصعد دار التجمّع
المحترق لأطّلع على آخر الاستعدادات ثمّ أعود سائحا بين الطرقات.
أظلمت
الدنيا، وأقفرت الشوارع والأزقّة. لقد ترك الأهالي المدينة في أياد أمينة لأشجع
وأقوى الشبّان. وعادوا إلى منازلهم في اطمئنان، أو أنّهم أقنعوا أنفسهم بذلك. مرّ
وقت قصير أو طويل لا يهمّ. فما دام المستقبل صار مجهولا، لم يعد الوقت يعني
الكثير. فجأة، سمعت ضجيجا أخذ يتّضح شيئا فشيئا. صعدت السطح. فإذا سماء البلدة
تغشاها سحب الدخان، وألسنة اللهب ترتفع إلى أعلى مع تصاعد الصياح والتكسير. ماذا
يحدث؟ هل احتلّ الغزاة المدينة؟ وأين الحرّاس المؤتمَنون؟
الخطر يتقدّم سريعا باتّجاهي –أو هكذا خُيّل لي-. نزلتُ مسرعا خبّأتُ ما خفّ حمله وغلا ثمنه. أيقظتُ أفراد أسرتي، إلاّ قريبة مريضة تجاوزت الثمانين من عمرها، تركناها لقدرها. وأسرعنا نحن لقدرنا على السطح. ازداد في الخارج الصياح والدخان واللهيب، وازداد معها في الداخل الخوف والحزن والغضب. أشبعت ابن علي والحاكم والشباب سبّا وشتما. ثمّ عاد الضجيج ليبتعد قليلا قليلا. وعندها عادت إليّ شجاعتي. أخذتُ عصاي وخرجتُ أستطلع الأحداث مُقتفيا أثار المُجرمين. وعلى رأس الطريق، وجدت أمثالي قد خرجوا هم أيضا. وعلمتُ منهم أنّ أحد أثرياء الحومة قد رمى لِـ " الثوار " لفّة من المال، اختلف الحاضرون حول مبلغها. فعادوا أدراجهم مكتفين بما حصلوا عليه ليلتها. واصلتُ طريقي، وواصلت الاستماع لحكايات كثيرة ومتنوّعة، ليس هذا مجال سردها. باختصار شديد، لقد وجدت قلب البلدة بعد زحف "بني علي" حطاما// الشريط المصاحب
الخطر يتقدّم سريعا باتّجاهي –أو هكذا خُيّل لي-. نزلتُ مسرعا خبّأتُ ما خفّ حمله وغلا ثمنه. أيقظتُ أفراد أسرتي، إلاّ قريبة مريضة تجاوزت الثمانين من عمرها، تركناها لقدرها. وأسرعنا نحن لقدرنا على السطح. ازداد في الخارج الصياح والدخان واللهيب، وازداد معها في الداخل الخوف والحزن والغضب. أشبعت ابن علي والحاكم والشباب سبّا وشتما. ثمّ عاد الضجيج ليبتعد قليلا قليلا. وعندها عادت إليّ شجاعتي. أخذتُ عصاي وخرجتُ أستطلع الأحداث مُقتفيا أثار المُجرمين. وعلى رأس الطريق، وجدت أمثالي قد خرجوا هم أيضا. وعلمتُ منهم أنّ أحد أثرياء الحومة قد رمى لِـ " الثوار " لفّة من المال، اختلف الحاضرون حول مبلغها. فعادوا أدراجهم مكتفين بما حصلوا عليه ليلتها. واصلتُ طريقي، وواصلت الاستماع لحكايات كثيرة ومتنوّعة، ليس هذا مجال سردها. باختصار شديد، لقد وجدت قلب البلدة بعد زحف "بني علي" حطاما// الشريط المصاحب
فالبارحة، وعندما كان العدوان خارجيا -كما
اعتقدنا-، شبّت الحرائق في مقرّات حكومية: أمنية وحزبية ومالية وإدارية. وهذا شيء
نتفهّمه، بل نراه ضروريا في حالة استثنائية كالتي نعيشها. أمّا اليوم، فقد طال
النهب والتخريب محلات للخواص كـ: مغازة للآلات الالكترونية ومكتبة لبيع المواد
المدرسية وجزّار وحمّاص، واحترقت في هذه الليلة بعد كلّ الاستعدادات مكتبة عمومية،
ومكتب تشغيل وقباضة مالية//الصورة المصاحبة.
وقد
أعود لأحداث هذه الليلة بالذات في وقت آخر بحول الله.
يتبع
بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة
14 / 01 / 2012
مسؤولية
وحقوق هذه المادة لصاحبها
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire