مقاربة
ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/36
الخميس
الأسود 26 جانفي 1978: انتفاضة لا بواكي لها -1
بعد
وصول المفاوضات الاجتماعية بين الاتّحاد العام التونسي للشغل والنظام الرسمي إلى
طريق مسدود، هدّد المرحوم الحبيب عاشور الأمين العام للاتّحاد بشنّ إضراب عام
بالبلاد يوم الخميس 26 جانفي 1978. وأمام تعنّت الحبيب بورقيبة، شهدت البلاد
احتجاجات تصاعدية مدّة ثلاثة أيام متتالية، عرفت تونس العاصمة ذروتها يوم الخميس.
أمّا
في اليومين السابقين فقد اقتصرت الاحتجاجات في أمسيتيْ الثلاثاء والأربعاء، على
خطابات مطلبية وتجمّعات عمالية في ساحة محمد علي:
·
عشية الثلاثاء تفرّق المتظاهرون - دون خسائر تذكر- بعد
مناوشات متفرّقة مع رجال للبوليس بالزيّ الرسمي وغير الرسمي.
·
أمّا الأربعاء، فقد بادر البوليس بسدّ المنافذ المؤدّية
لمقرّ الاتّحاد. ولم يتمكّن من سماع خطاب ( CISL ) عشيتها
إلاّ المبكّرين بالحضور. لقد أطلّ علينا مسؤول الكنفدرالية من نفس الشرفة التي
ألقى منها عبيد البريكي يوم 8 جانفي 2011 خطاب "لن الزمخشرية". وبعد
كلمة المبعوث الأوروبي، والتي كانت بلغة غير العربية، عمّت الفوضى الساحة والشوارع
المحيطة بها. وشهدت تونس العاصمة أعمال حرق ونهب لعدّة ممتلكات عامة وخاصة. لكنّ
الخسائر البشرية والمادية لذلك اليوم ظلّت محدودة وسرّيّة.
وكعادة وسائل الإعلام الرسمية في كلّ زمان ومكان،
لم تكتف التلفزة الوطنية بالتستّر على هذه الأحداث، بل ظلّت -ليلتها- تدعو
المواطنين لعدم الإنصات للـ"فئة القليلة المأجورة" التي تهدف إلى تخريب البلاد وتدمير
اقتصادها. وكما هو الحال دائما، تزاحم فقهاء السلطة على التلفزة -طوعا أو كرها- للإشادة بسداد رأي "الرئيس الأوحد" وتجريم "العصابة الضّالة". وكان هذا هو الخطأ القاتل في انتفاضة الخميس الأسود. فارتفاع عدد
الشهداء يومها، والذي وصل إلى مئات عديدة –دون الجرحى- كان بسبب تقليل وسائل
الإعلام من أهميّة الحدث، وحثّ المواطنين على مباشرة أعمالهم. وبالتالي اختلط
الشارع صباح الغد الخميس بالمحتجّين والمندسّين والناس العاديين. فكثير من الشهداء
كانوا ضحية إعلام مُضلّل، كما هو الحال بالنسبة لسعيد ماسح الأحذية//الشريط
المصاحب
أفاق
النّاس صباح الخميس 26 جانفي 1978 ليجدوا الجيش قد انتشر بشوارع العاصمة. بدأ
المتظاهرون في رشق رجال الجيش بالحجارة، حجارة الأرصفة. إذ لم يجد المتظاهرون عناء
كبيرا في اقتلاع جليز رُصّف فوق الرمل دون إسمنت. بداية، كان ردّ الحاكم إطلاق غاز
مسيل للدموع، ثمّ تحوّل إلى رصاص: في الهواء، نحو الأرجل، فاستهداف المناطق العليا
من الجسم. كلّ تلك المراحل تمّ لفّها في دقائق قليلة، حيث سقط أمام عينيَّ أول
شهيد أمام وكالة أسفار فرنسا والساعة تُشير تقريبا إلى التاسعة صباحا.
ومن
تلك اللحظة انقلبت الأوضاع لصالح الحاكم بأيد رجال الجيش. جيش، عقيدته -من
المفترض- هي الدفاع عن البلاد والعباد، لا حماية كرسيّ حتى وإن كانت صفة صاحبه
رئيس دولة. أمّا رجال الشرطة -يومها- فلم يكن حظّهم أوفر من المواطنين العاديين المُضلّل
بهم، والسابق ذكرهم. فقد كانوا مثل عامة الناس، يهرولون في الشوارع منزوعي السلاح،
إذ يبدو أنّهم فقدوا صلوحياتهم للتوّ.
وبدأت
المجــــازر...
يتبع
بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة
الخميس 26 / 01 / 2012
مسؤولية
وحقوق هذه المادة لصاحبها
رابط ملف الصور
http://www.facebook.com/media/set/?set=a.332972773402570.85792.292133654153149&type=3
http://www.facebook.com/media/set/?set=a.332972773402570.85792.292133654153149&type=3
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire