.
مقاربة
ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/21/ ثالث أيام الحسم الخمسة// محلّيّا
اليوم هو الأربعاء 12 جانفي 2011 . حديث الساعة هو
حديث الثورة. ولا مؤشّرات تدلّ على اقتراب الحريق من بلدة العالية. ولكن أعمال
الحرق التي طالت مدينة بنزرت ومدن أخرى البارحة 11 جانفي جعلت رئيس البلدية -المسؤول الإداري
الأول- بعد فرار معتمد الجهة يتّصل -حسب من أثق بروايته- بوالي الجهة طالبا حماية
الجيش، ولكنّ المسؤول الجهوي أعلمه بأن لا صلاحيات لديه تُمكّنه من ذلك. ومضى
النهار ثقيلا ثقيلا. كيف لا يكون ذلك، ويوم الغد 14 جانفي هو يوم دخول الليالي
السود حسب المصطلح الفلاحي.
أظلمت
الدنيا، وعمّ البلدة إحساس غريب. حديث يتمّ تداوله عن قدوم "عصابة" من
بلدة مجاورة لإحراق الأخضر واليابس. مجموعات من الشباب منتشرون في حلقات على طول
الشارع الرئيسي يتبادلون الأحاديث والفكاهات. غير أنّ المارّ لا يستطيع تبيّن ما
يدور بينهم. جبتُ الطريق الرئيسية ذهابا وإيابا، متسلّحا بعصا، حتى ارتفع أذان
صلاة العشاء. دخلت الجامع المركزيّ كما تحلو لصاحبه التسمية. في تلك الأثناء كان
يبلغ مسمعي صراخ الشباب وتصفيرهم وتصفيقهم. الجوّ احتفاليّ ولا يُنبئ بشرّ. انتهت
الصلاة، وخرجتُ لأجد بضعة تجمّعيين أكثرهم من المخضرمين وقد تحلّقوا أمام مقرّهم بِنيّة
الحراسة. اقتربت أتجاذب الحديث مع بعضهم -فكلّهم أصدقاء-. وقبل انصرافي، اقترحتُ
عليهم التواري عن الأنظار حتّى لا يكونوا سببا في استفزاز الشباب. ثمّ واصلت
طريقي، وقد اصطحبني أحدهم. سرنا مع الشارع الطويل الطويل. عدد الشبان تناقص لدرجة
كبيرة. لم يبق إلاّ سمّار الليالي –أو هكذا بدا لي-. مرّ وقت ولا شيء يوحي بالخطر.
فعدتُ إلى منزلي.
فجأة، وبعد مضيّ ساعة تقريبا اتّصل بي قريب من
العاصمة ليسألني عمّا يحدث عندنا. فطمأنته راويا له مشاهداتي، فإذا به يُعلمني
بأنّ البلدة قد احترقت: مركز البريد احترق، والبنك احترق، ومستودع البلدية احترق،
ووو. كيف تمّ ذلك، وأنا عائد للتوّ من هناك؟ وكيف عرف مَن هو متواجد في العاصمة كلّ ذلك؟
إنّه الفايس بوك// الشريط المصاحب
كيف لي أن أُصدّق أخبارا كنت شاهدا على عكسها.
فعلا إنّ الفايس بوك لا يعرف الكذب "تلك المدّة". لقد احترق ما احترق،
وفي جوّ احتفاليّ كذلك. وكلّ ما قام به رجال الشرطة تلك الليلة مع التعزيزات الواصلة
هو حماية جناح يضمّ قباضة مالية ومركزيْن للشرطة والحرس. واكتفوا بإطلاق الغاز
المُسيل للدموع كلّما حاول هؤلاء الاقتراب من عرينهم.
ومع
طلوع الفجر، اتّضح "المشهد الثوريّ" أكثر. وجاء من أقصى البلاد
"وليّ أمرها" ولم يكن هو –أو غيره- يعلم أنّ ولايته قد أشرفت على
نهايتها. جاء محفوفا بأشخاص غرباء جدّا، مُحترمين جدّا ليُعاينوا الأضرار، أو ربما
لاستقاء معلومات قد تُفيدهم في مستقبل الأيام. والغريب، أن يشهد ذلك اليوم 13 جانفي
إخلاء حرس المرور لمركزهم، وتسليم مفاتيحه لصاحب البناية الذي كان قد طالبهم،
قضائيا، ومن زمان باسترجاع عقاره.
وبعد
كلّ هذا، هل انتهى مشهد "الحرق الثوري"؟ لا، فقد شهدت البلدة فصلا آخر ليلة 14/13جانفي.
يتبع
بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة
13 / 01 / 2012
مسؤولية
وحقوق هذه المادة لصاحبها
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire