.
قالوا لا تُصلّوا في الحرّ / مُكيِّفات الهواء داخل المسجد
من الأسس المتّفق عليها عند فقهاء الدين قاعدة أنّ: الأصل في العبادات المنع والمشقّة والأصل في العادات الحِلّ والإباحة. واستثناءات هذه القاعدة لا تكون إلاّ بدليل صريح لتيسير عبادة، أو نصّ
قاطع لتحريم عادة. وبما أنّ المسألة تعرض لمكيّفات الهواء داخل المسجد، فإنّ
مقالنا هذا سيقتصر على النصف الأول من القاعدة: [الأصل في العبادات المنع
والمشقّة]. وحتّى لا تتشعّب بنا السبل، سنحصر موضوعنا في المشقّة المعتادة وهي
هنا: ارتفاع حرارة الطقس. أمّا المشقّة الخارجة عن العادة فهي تقتضي التيسير
كإفطار المسافر في رمضان أو حالة المريض في صلاته والتي تقدّر حسب الضرورة.
ولنُلق بداية نظرة على ما يتحمّله المسلم من مشقّة في سائر العبادات:
*مناسك الحجّ ومُعاناة السفر والطواف ورمي الجمرات وغيرها.
*الصوم وجهاد النفس.
*فريضة زكاة المال أو المحصول بإخراج مقدار معلوم.
*صعوبة الالتزام بمضمون الشهادتين كمفهوم الولاء والبراء.
*إقامة الصلاة وتحمّل مشقّتها.
فالله يُحبّ أن تُؤتى عزائمه، دون أن يُلقيَ المؤمن بيده إلى
التهلكة. والتيسير هنا بترك بعض أركان الصلاة أو شروطها يُقدّر تحديدا بقدر
الضرورة. فلا يصحّ مثلا للعاجز عن السّجود - بتعلّة توفير الرّاحة - ترك القيام،
إذا كان يقدر عليه. والعكس كذلك صحيح. أو مثلا لا يصحّ للقادر على الوقوف مستندا
إلى حائط، أداء صلاة الفريضة من جلوس.
أمّا بخصوص مشقّة حرارة الطقس فإنّ التيسير فيها يكون باتّباع هديه
صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: [إذا اشتّد الحرّ فأبردوا بالصلاة] أي أنّ الصلاة وحدها هي التي تبرد على المؤمن، وتُذهب عنه مشقّة
الحرّ. أو كما أذن عليه الصلاة والسلام لبلال بن رباح في النداء للصلاة بقوله: [أرحنا بها يا بلال] ولم يقل له أرحنا منها.
ولنعد لما نحن بصدده: مُكيِّفات الهواء داخل المسجد. فقد سبق أن قمنا
بإدراج المسألة في خانة المشقّة المُعتادة.
·
فتونس مناخها معتدل طول العام باستثناء بضعة أيام حارّة (فوق 35 درجة)
لا تتجاوز عدد أصابع اليديْن، وكذلك بالنسبة لأيّامها الباردة. ومعمار مساجدنا
-بأسقفها وجدرانها، ودون مراوح- كاف بردّ شدّة الحرّ الخارجي. وبالتالي، فتنصيب
أجهزة تكييف ثمّ تشغيلها لمجرّد إحساس بارتفاع (أو انخفاض) في درجة حرارة مقدور
عليها يُعتبر إسرافا. وإذا كان الله لا يرضى لعباده الإسراف في شؤونه اليومية،
فكيف يقبله في بيته؟
·
كيف يُمكن لصلاة الجماعة أن تكون داعما للتراحم وقد أغلق مصلّون منافذ
بيتهم المُكيّف تاركين وراءهم بالخارج مساكين وباعة ينتظرون رزقا من صدقة أو
تجارة؟
·
كيف يجرأ مُصلّ على دخول بيت صلاة مُكيّفة في مسجد، بيوتُ الرّاحة فيه
–أعزّ الله القرّاء- تفتقرchasse d'eau لطارد مياه كحال المسجد الذي نرتاده، جامع الغفران
بالعالية؟
·
كيف يستطيع إمام التطرّق لمسائل مثل: الصبر على شظف العيش أو الاقتصاد
في استعمال الطاقة أو الدعوة لجهاد النفس، وسامعوه في حالة
ترف وتراخ؟
·
كيف يتسنّى لمُصلّ طقسه بارد صيفا وحار شتاء أن يكون من المؤمنين أولي
العزم، أو أن يتدبّر في آيات الله كاختلاف الليل والنهار؟
ورغم أنّنا قمنا في مقالنا هذا بتحييد عوامل أخرى مؤثّرة في المسألة،
كعامل الصحّة مثلا، ولكن لا بأس من إشارة على علاقة: في موسم الحجّ قبل الأخير
لنظام ابن علي، برّر فقهاؤنا وأئمّتنا قرار "حامي الحمى والدّين" بإسقاط فريضة الحجّ
لذلك العام بالخوف على حجّاجنا من الوباء المُتفشّي وقتها، وحتى نتقبّل تبريراتهم
فقد نصحونا بأن تكون المعايدة عن بعد، ودون عناق أو تقبيل. والمفارقة أنّ سهام
فتواهم هذه كانت تنطلق من مساجد مُكيّفة يتبادل فيها المصلّون أنفاسا محبوسة في
بيوت مغلقة.
والله أعلم، عثمان الدرويش
04 / 07 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
***نُعيد
اليوم تنزيل هذه المادة بمناسبة تكييف بيت صلاة النساء في جامع
الغفران بالعالية وإضافة مكيّف لبيت الرجال. وإن كنّا نبارك ما قام به أهل الخير
من تأثيث لبيت من بيوت الله، فإنّنا نُلفت انتباههم للنقص الحاصل في الميضة
(والمشار إليه أعلاه). وجازاهم الله كلّ خير.***
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire