.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/41
الثلث الأول من فيفري، ملحق بالثورة
وصل بنا الحديث إلى جمعة 28 جانفي 2011، عشية تمكّن فرق
الداخلية المختلفة –بعد انسحاب الجيش- من إخلاء ساحة القصبة من باقي الشباب
المتمسّك بإسقاط حكومة الغنوشي. وبقبول النخبة التونسية –أو أغلب مكوّناتها- بِــ
((بديل ثوري)) من داخل قصر حكومة نوفمبرية، انقلبت الشرعية الثورية إلى شرعية
توافقية وتحوّلت قضية القطع مع الماضي والفراغ الدستوري إلى تواصل حضاريّ وانتقال
ديمقراطيّ وتجزّأ الحقّ الوطني إلى حقوق فئوية.
وفعلا، بدأت ملامح الطبخة السياسية في البروز: تقلّصت فترة حظر
الجولان، وظهر رجال الأمن –باحتشام- في بعض المناطق// الشريط المصاحب
تزامن الكشف عن كنوز ابن علي بابا بقصر سيدي الظريف مع
قرار تجميد أرصدة صاحبها// الشريط المصاحب
قام "بطل المرحلة" فرحات الراجحي وزير الداخلية بسلسلة تنازلات
أدّت إلى تأسيس نقابات للأمن والترخيص لعشرات الأحزاب السياسية والنشريات
الإعلامية. وقام بتسمية ولاة جدد في عديد الجهات. كما أمر وزير الداخلية هو نفسه
بتعليق نشاط التجمّع –الحزب الحاكم- وغلق مقرّاته.
وفي هذه الفترة، برز "بطل ثان" هو
أحمد ونيس وزير الخارجية، غير أنّ نجمه سرعان ما أفل. وحاول وزير التربية الطيب
البكوش امتطاء الموجة بتنشيط "لقاء صريح شفاف" مع تلامذة الثانوية
حول قضية التربية والتعليم.
وكان من الطبيعي أن يُتوِّج مبادرة حسن النوايا هذه،
فؤاد المبزّع بصفته رئيسا لمجلس النواب حسب بعض فصول الدستور، أو كرئيس للدولة حسب
بعض فصول أخرى من نفس الدستور. فدعا نواب الشعب المُنتخَبين للانعقاد في جلسة
خارقة للعادة يوم 7 فيفري 2011. حيث فوّض له المجتمعون جميع صلوحياتهم وصلوحيات
غيرهم، وأصبح المبزّع الحاكم بأمره. غير أنّ جامع السلط هذا، خيّر منح كلّ المهام لرئيس
وزرائه فيما بعد الباجي قائد السبسي. ولم يكن النظام العالمي الرسمي –والمُستفيق من غيبوبته للتوّ- في معزل عن عرس الثورة. فتهاطلت على تونس المنح والهبات، أو بالأحرى التصريح الإعلامي عنها. ولعلّ الإعلان الأكثر بريقا هو نصب تمثال للمرحوم البوعزيزي في ساحة يُطلق عليها اسمه في قلب عاصمة الأنوار باريس.
ولكنّ كلّ هذه الإجراءات لم تكن محلّ قبول بالإجماع من طرف الشعب. فقد
اختارت فئات منه مع نخبها مواصلة الثورة بطرق جديدة مختلفة أحيانا بل ومتناقضة في
أغلب الأحيان. وبذلك، تشظّت الثورة وانقسمت إلى ثورات في اتجاهات متعاكسة. وتفرّعت
الإرادة الموحّدة للشعب إلى إرادات متنافرة. والكلّ أصبح يغنّي وا ثورتاه.
اختلط الحابل بالنابل، فعرفت البلاد في الفترة التي نحن
بصددها –أي الثلث الأول من شهر فيفري- موجات حرق (حرق للخارج في اتّجاه أوروبا)
وحرق في الداخل خاصّة للسجون والمقرّات الأمنية كمنطقتيْ الكاف وقبلي. وعادت لعنة
"ديقاج" تصبّ على هذا المسؤول أو ذاك، وكان نصيب الأسد للولاة الجدد.
وتحرّك "مُصلحو البلاد" لإغلاق الدور المنافية للأخلاق، واغتنمت جهات مجهولة الفرصة
لتعطيل سير الدروس بافتعال اضطرابات أو حتى إشاعات في عديد المعاهد والمدارس التي
أُعيد فتحها ضمن مبادرة حسن النوايا المذكورة أعلاه.
وانتقل الفايسبوكيون لنبش ظروف حوادث قتل أو استغلال نفوذ، دون وصولهم إلى نبش أعراض البشر، أي أنّ الحالة لم تتحوّل بعد إلى وباء، وإن كانت عوارض الإسهال الفايس بوكي بدأت تُوحي بذلك. وتحت كلّ هذه الضاغطات وجدت المؤسسة العسكرية نفسها مضطرّة لدعوة الاحتياط للالتحاق بمراكز التجنيد تحسّبا لكلّ ما هو طارئ...
وانتقل الفايسبوكيون لنبش ظروف حوادث قتل أو استغلال نفوذ، دون وصولهم إلى نبش أعراض البشر، أي أنّ الحالة لم تتحوّل بعد إلى وباء، وإن كانت عوارض الإسهال الفايس بوكي بدأت تُوحي بذلك. وتحت كلّ هذه الضاغطات وجدت المؤسسة العسكرية نفسها مضطرّة لدعوة الاحتياط للالتحاق بمراكز التجنيد تحسّبا لكلّ ما هو طارئ...
يتبع
بإذن الله...
يوم الأربعاء
6 فيفري 2013، وصل إلى مسمعنا خبر اغتيال المرحوم شكري بلعيد. توقّفنا فـ41ـي من
هذه المقاربة الذاتية للمشهد
الثوري الحديث بتونس. وبعد أيام من فاجعة الاغتيال، أردنا مواصلة تنزيل بقية مشاهد
المقاربة، فلم نعثر على أثر لبقية الأرشيف.
وبما أنّنا فقدنا الدافع ومتعة الكتابة في
المسألة، فضّلنا التوقّف عند هذا الحدّ.
والسلام، عثمان الدرويش
نسخة
10 / 02 / 2012
مسؤولية
وحقوق هذه المادة لصاحبها
.