Pages

Nombre total de pages vues

mercredi 18 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/29


مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/29

2011/01/20-19-18
بداية تجاذبات على أرضية زلاّقة 


ذكرنا في /28/ ما قام به الطرف، الذي قدّم نفسه كبديل حاكم: فؤاد المبزّع [ رئيس مجلس نواب ابن علي، ثمّ رئيس جمهورية الثورة ] ومحمد الغنوشي رئيس حكومة ابن علي، ثمّ رئيس حكومة الثورة ] مِن خطوات تجميليّة كـ: إقالة و/أو استقالة قيادات حزبية من التجمّع، وإطلاق سراح نحو ألفيْ سجين رأي، ودعوة المُهجّرين للعودة، وإشراك جانب من المعارضة الحزبية والنقابية في حكومة وحدة وطنية. وإضافة لكلّ ذلك، وتماشيا مع نفسية الشارع الثائر، كان الحاكم البديل يُعلن من حين لآخر عن إجراءات يتّخذها كـ: حجز ممتلكات أو تجميد أموال لابن علي وزوجته، أو وضع اليد على بعض البنوك والمؤسسات كانت على ملك المغضوب عليهم.

غير أنّ الانفلات الأمني الحاصل بسبب موجات الانتقام من البوليس بأنواعه خصوصا، أحبط مشروع الحكومة البديلة التي تصدّعت حتى قبل مباشرة أعمالها اليوم 18 جانفي 2011. حيث انسحب منها كل مصطفي بن جعفر (الصحة) وممثلو الاتّحاد العام التونسي للشغل الثلاثة، وزهير المظفر (من حكومة ابن علي). في حين اعتلى وزارة التعليم العالي أحمد إبراهيم، ووزارة التنمية أحمد نجيب الشابي.

أمّا فئة أخرى من الشعب والتي اعتبرت نفسها غير معنية لا بموجات الانتقام، ولا بتشكيلة الحكومة الجديدة، فقد كانت وجهتها إقصاء التجمّع من الحياة السياسية. حيث خرجت مسيرات في عدّة جهات (بنزرت يوم20، والعالية يوم21) تُنادي:[ آر.سي.دي ديقاج ].  سرعان ما انضمّت إليها أحزاب ومنظمات أدركت لتوّها، أنّ ركوب هذا الشعار يُوفّر لها حظوظ النجاح . وبالتالي خفّ الضغط على الحكومة البديلة، فلم تجد مشقّة في تعويض المنسحبين. وهدأت نسبيا موجات الانتقام من مناصري ابن علي. ولكنّ رجال الأمن عرفوا أنّ ذلك ليس سوى استراحة وقتية. فنظّموا صفوفهم وخرجوا في مسيرات في مناطق عديدة يُنادون:[ يا مواطن راني خوك، ابن علي هو عدوك  /و/  أبرياء أبرياء، من دماء الشهداء ] كان ذلك يوم 21 جانفي 2011// الصورة المصاحبة

طرف آخر كان مُحايدا نسبيا، أخذ نجمه يسطع في سماء الثورة، ألا وهو الجنرال رشيد عمار. فقد لعب الجيش في تلك الفترة دور صمّام أمان، حسب مراقبين. فمثلا، وفي الباب الذي نحن بصدده, عندما تجمّع المتظاهرون الخميس 20 جانفي 2011 أمام المقرّ الرئيسي للتجمّع بالعاصمة مُصرّين على إسقاط التجمّع، منعهم الجيش من اقتحام البناية. ولكن إرضاء للجمهور الغاضب، قام أفراد من الجيش بصعود سطح البناية ونزع اللافتة العليا من واجهة المقرّ// الشريط المصاحب
فهذا الموقف ومواقف أخرى، جعل الجيش ينتزع ثقة واحترام الأطراف المتنازعة. غير أن ّ ذلك كان مقابل ضريبة دفعها الجيش في أكثر من مناسبة. فقبْل يومين فقط من هذه الحادثة، سقط في مدينة بنزرت ثلاثة شهداء من الجيش في تبادل لإطلاق النار مع مَن أُطلق عليهم وقتها "القنّاصة".

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 18 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

mardi 17 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/28

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/28

16-17-18/01/2011 
 تواصل الإشاعات وبداية الحسابات

لا تغيير يُذكر في الحياة السياسية والاجتماعية خلال هذه الأيام. فظاهرة الحرق والنهب في تزايد، وعمليات فرار (أو تهريب) المساجين مُتواصل، والشائعات والشائعات المضادة في تصاعد كـ: هروب ليلى بن علي بطن ونصف الطن من ذهب البنك المركزي، ومطاردة العصابات المسلّحة التابعة للأمن الرئاسي، واكتشاف ذخائر حربية مهرّبة... كل هذه العوامل وعوامل أخرى جعلت المواطنين يتهافتون على خزن المواد الأساسية وغير الأساسية، الشيء الذي أدّى إلى نفاد بعض المواد الغذائية من السوق.

أمّا النظام الرسمي أو ما بقي منه، فقد حاول كسب ثقة الشعب من جديد. فقام بالتخفيف من حظر الجولان، وإلقاء القبض على وزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم وبعض الأفراد من عائلتيْ الطرابلسي وابن علي. كما قام التجمع (الحزب الحاكم) في خطوة استباقية بإقالة قياداته المشبوهة كابن علي والقلال وابن ضياء والماطري وبلحسن الطرابلسي. 
وفي خطوة مماثلة استقال من التجمّع كلّ من فؤاد المبزّع [ رئيس مجلس نواب ابن علي، ثمّ رئيس جمهورية الثورة ] ومحمد الغنوشي [ رئيس حكومة ابن علي، ثمّ رئيس حكومة الثورة ]. ودعا الأوّل المهجّرين للعودة إلى تونس، واستدرج الثاني بعض رموز المعارضة الحزبية والنقابية للدخول في حكومته الجديدة (أحمد إبراهيم-التجديد/ نجيب الشابي-ب.د.ب/ مصطفى بن جعفر-التكتل...). وتمّ إطلاق سراح ما يُقارب ألفيْ سجين سياسي. أمّا الاتّحاد العام التونسي للشغل فقد طالب بحلّ الشُّعب المهنية والجامعات الحزبيّة.

 غير أنّ كلّ هذه الإجراءات لم تنجح في امتصاص الغضب الشعبي. حيث بدأت أصوات القاعدة الشعبية تنادي محلّيا وجهويّا (آر.سي.دي/ ديقاج).

وفي هذه الفترة، بدأت القيادات المُهجَّرة تحطّ رحالها بمطار تونس قرطاج: فكان -الناشط في عديد منظمات حقوق الإنسان- كمال الجندوبي أول القادمين يوم  17 جانفي 2011، ثمّ تلاه في المرتبة الثانية -الحقوقي ومؤسس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية- المنصف المرزوقي يوم 18 جانفي 2011// الشريط المصاحب
أمّا الشيخ راشد الغنوشي -زعيم حركة النهضة- فقد وصل تونس متأخّرا عن رفيقيْه بأكثر من عشرة أيام.

 ولكن لنتوقّف أولا -ولو لبعض الوقت- عند 18 جانفي 2011. 

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 16 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

lundi 16 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/27

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/27
الإشاعات والانفلات الأمني عنوان اليوم الأول بعد رحيل ابن علي

ليلة 15/14 جانفي 2011 غادر ابن علي، وتولّى مكانه -وزيره الأول- محمد الغنوشي حسب الفصل 56 من الدستور، ثمّ فؤاد المبزّع -رئيس مجلس نوابه- حسب الفصل57 من نفس الوثيقة. كان عدد الشهداء –رحمهم الله- المتداول ساعتها أقلّ من مائة حسب المصادر الرسمية، و174 شخصا حسب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والجرحى بضعة مئات، والأضرار المادية -والتي كانت ضرورية- اقتصرت على المباني الحكومية وبعض الممتلكات الصغيرة الخاصّة. يعني  مَنّ الله علينا بنعمة إزاحة ابن علي بحصيلة منخفضة جدّا مقارنة بالإنجاز العظيم.  إذن، كيف ارتفعت بعد ذلك الأضرار في الأرواح والممتلكات أضعافا مضعّفة؟ وهل كانت كلّها ضرورية لتحقيق أهداف الثورة؟ 

ففي تلك الليلة، عوض أن تحتفل تونس بعرس الثورة، باتت مرعوبة، غارقة في بحر الإشاعات. وبدل أن تخرج مشاعر النّاس عن السيطرة فرحا وسرورا، خرجت مدن وقرى عن السيطرة الأمنية. إذ انتشرت يوم 15 جانفي 2011 الاشاعات الكثيرة وانتقلت عمليات الحرق والنهب للفضاءات التجارية الكبيرة والمناطق الصناعية والقصور الفخمة. ارتفعت نداءات الاستغاثة من كلّ مكان، ورُوِيت قصص وأساطير عن عمليات ترويع للمواطنين، واحتراق سجون وهروب مسلّحين وتسميم مياه ووو... ويتحمّل مسؤولية كلّ ذلك الإعلام الرسمي والفايس بوكي. فهذه قناة تنقل شهادات "مباشرة" لمتضرّرين، وأخرى تنشر أرقام طوارئ ومراكز للتبرّع بالدم، وتونيزيانا تهدي منخرطيها دنانير الكترونية لتمكينهم من طلب الاستغاثة. ولم يكن الحال على صفحات الفايس بوك أكثر مصداقية. وهذا مثال واحد نُشر بِـ تونيزيا سات يوم 15 جانفي 2011 // 20:59 [نداء من معتمدية العالية/ خبر غير مئكد هناكة 15 دراجة نارية عليها مسلحون الرجاء الانتباه] بإمضاء(hamdoun64) وهذا رابط المادة لمن يريد الاطّلاع على بقية المواد المنشورة في تلك الفترة

والسؤال هو: في الفترة السابقة التي تبخّرت فيها الشرطة، لم يكن المواطنون يشعرون بأنّهم معرّضون للخطر بالدرجة التي هم عليها الآن. كيف يحدث كلّ هذا الآن، بعدما انتشر الجيش في كلّ المدن والقرى، وتطوّع الشباب لحماية الأحياء// الصورة المصاحبة
 
غير أنّ الأخبار المتداولة في اليوم الأول بعد الرحيل لم تكن كلّها سلبية. فقد انتشرت إشاعات سارّة، مثل: اعتقال صهريْ ابن علي: سليم شيبوب في إحدى مناطق الجنوب، و بلحسن الطرابلسي في جهة كذا. وتلفزة تونس7 تغيّر شعارها. والقذافي يعدّل من موقفه بعض الشيء. وساركوزي يرفض استقبال ابن علي. وأوباما يُهنّئ التونسيين بنجاح ثورتهم.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 16 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

dimanche 15 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/26/ يوم الحسم // محلّيّا

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/26/ يوم الحسم // محلّيّا

قلنا إنّ البلدة قد تعرّضت ليلة 13/12 إلى هجوم أجنبيّ –كما تمّ الترويج له بين المتساكنين-. الهجوم طال مؤسسات حكومية دون غيرها. فمثلا تمّ حرق ونهب البنك الوطني الفلاحي (حكومي)، ولم يُصب بنك"البيات" (خاص) إلى جانبه بأيّ ضرر ولو خارجي. وتمّ حرق دار التجمّع (وكانت تحت حراسة منتسبيها) لحظة مداهمتها. في حين لم يقع المساس بالمكتبة العمومية أسفل مقرّ التجمّع.

وفي الليلة الموالية 14/13 وبعد تأمين البلدة لدى مجموعات فتية قويّة شجاعة، احترق الجناح الذي كان في الليلة السابقة تحت حراسة البوليس –كما ذكرنا سابقا- وبه مركز الشرطة والقباضة المالية. ثمّ اختار " الثوار" أهدافهم. فتمّ حرق أو نهب دكان حمّاص ومكتبة خاصّة لبيع المواد المدرسية وجزّار ومغازة خاصّة لبيع الآلات الالكترونية. ثمّ قفز الحريق إلى أقصى البلدة لتشتعل النيران في مكتب للتشغيل ومركز للحرس. والحمد لله أنّ البلدية (الصورة المصاحبة) وجميع المؤسسات التعليمية والصحيّة نجت من الكارثة.
وفي الغد، لم تعد تسمع من أحد أنّ مَن قام بالحرق والنهب هم الغزاة القادمين من الخارج. ولكن كذلك، لم يستطع أحد توجيه التهمة لشخص بعينه.

اليوم هو 14 جانفي 2011، أصبح الناس خائفين من تدهور الحالة أكثر، فتمتد عمليات الحرق والنهب إلى المنازل الآهلة بالسكّان. وبعد حضوري صباح اليوم، مسيرة جابت شوارع بنزرت، وبعد صلاة جمعة كانت خطبة إمامها في واد ومُجريات الأحداث في واد آخر، ومع اقتراب وقت صلاة العصر قصدتُ الجامع المركزي. وما إن هممت بالدخول حتّى استوقفني اثنان من المصلّين.
سألني أحدهما: بعد حرائق الليلتيْن السابقتيْن، كيف سيكون التصرّف هذه الليلة؟
أجبته: الحلّ الوحيد هو المسجد. فبعد احتراق المقرّات الحكومية لم يبق سوى الجامع كنقطة تجمّع ومراقبة وتبادل للرأي.
ردّ عليّ السائل: تقدّم للمحراب وأعلم الحاضرين بهذا.
قلتُ: ليكن ذلك عن طريق إمام الجامع. فاذهب واستأذنه.
تكلّم من كان لجوارنا قائلا: البارحة، وقبل الحرائق الأخيرة طلب منه (ز... ..حـ...) و (تـ.... ..بـ....) مخاطبة الناس ودعوتهم لليقظة فرفض بحجّة أن لا سلطة لديه حتى يفعل ذلك.
فأقنعتُ مخاطبي بإعادة المحاولة ثانية. وفعلا تقدّم المصلّي من الإمام وهمس له بكلام. قام بعده إمام الجامع المركزي بالعالية -السياسي الفقيه- ليبدأ خطبة ديبلوماسية ( بحيث... وعليه... وكنت قد...) نفد صبري فقفزت صائحا: [ طلبنا منك أن تُعلم الحاضرين بأنّ المسجد سيبقى مفتوحا ليظلّ نقطة وصل ومراقبة ولم نطلب منك إلقاء قصيدة شعر. ] هاج الإمام وماج. وارتفعت الأصوات بين مُهدّئ ومُهدّد. فجريمة تدخّلي في المسجد غطّت على جرائم الحرق والنهب لليوميْن السابقيْن. صحتُ بأعلى صوتي [ الليلة بعد صلاة العشاء، لا يُغادر أحد الجامع، وليكن ما يكون. ] والحمد لله على ما كان. ومِن لحظتها ظلّ الجامع مفتوحا على مدار الساعة، -طيلة الساعات المُتبقّية لحكم ابن علي- ثم تواصل الأمر على تلك الحالة ولأشهر عديدة.

 أمّا خارج المسجد، فقد تجمّع تلك العشيّة الشباب // الشريط المصاحب
 وتناصحوا بالمحافظة على أملاك الغير، متوعّدين المجرمين بالموت، وهذه المرّة بقطع النظر أكان الأعداء من داخل البلدة أو من خارجها. ولكن هروب ابن علي وكلمة مُعوّضه الغنوشي، وانتشار أخبار القنّاصة والفارين من السجون جعل جميع السكان يتركون منازلهم ويبيتون ليلتهم في الشارع.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 15 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

samedi 14 janvier 2023

دربي العاصمة ليوم 14 جانفي 2023


دربي العاصمة ليوم 14 جانفي 2023

هذا موقفي كمواطن ليس مُحايدا، وإنّما منحاز، نعم أنا منحاز لنفسي: أي أنا ضدّ حاكم ما بعد 25 جويلية 2021، وضدّ حاكم ما بعد 14 جانفي 2011، وضدّ حاكم ما قبل 14 جانفي 2011.

دارت اليوم 14 جانفي 2023 بملعب الحبيب بورقيبة مقابلة ودّية بين حاكم اليوم من جهة وحُكُّام الأمس وحُكّام أول أمس من جهة أخرى. انتهت في جو احتفالي بتعادل الطرفيْن. وهذه النتيجة تُعتبر مُشرفة لمعارضة اليوم وسلطة البارحة، خاصّة أنّها لعبت خارج ميدانها وجمّعت عناصرها من فرق مُختلفة. وفي انتظار مقابلة الكأس –حيث لا مجال فيها للتعادل-، هذه تحياتي.

والسلام، عثمان الدرويش

14 / 01 / 2023

مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها 

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/25/ يوم الحسم

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/25/ يوم الحسم

اليوم هو الجمعة 14 جانفي 2011 والحدث الأهمّ الذي كان الشعب يرصده هو ردود الفعل على خطاب ابن علي ليلة البارحة – وقد جاءت في أغلبيتها الساحقة رافضة له شكلا ومضمونا-. أمّا الحدث الثاني في الأهمية هو انتظار مدى نجاح الإضراب العام الذي دعا إليه اتّحاد الشغل عن ولاية تونس، والذي لاقى قبولا منقطع النظير. إضافة لما ذكرنا، كان تحريض الفايس بوك الجماهير على العصيان المدني، وتزايد عمليات القتل والقنص.  هذه العوامل الأربعة مجتمعة حوّلت الانتفاضة إلى مشهد ثوريّ مبتكر أصيل –أي غير مستنسخ-. 

يومها أعلنت وسائل الإعلام الرسمية أنّ ابن علي قد أقال حكومة محمد الغنوشي، وأضاف لقرار حظر الجولان إعلان حالة الطوارئ في البلاد. ولكن ما لم يُدركه ابن علي هو ما كنتُ أعتقده شخصيا ولعقود سابقة، وحسب تجارب متواضعة في ظروف أقلّ تعقيدا من التي نحن بصددها هي: [ مِن السهل على الإنسان الانخراط في مظاهرة، ولكن يصعب عليه كثيرا الانسحاب منها. أي إنّ الإنسان بمجرّد دخوله مظاهرة بمحض إرادته الشخصية، يُصبح مُجبرا، تحت إرادة الكتلة الجماهيرية ] وكان مسرح الأحداث -اليوم- شارع الحبيب بورقيبة، حيث مقرّ وزارة الداخلية // الصورة المصاحبة

في بنزرت لم يكن المشهد مُغايرا. فقد عرفت المدينة مسيرة ضخمة هذا الصباح. هي ثاني مسيرة تجوب الشوارع بعد تبخّر بوليس المدينة. وأذكر يومها كيف شقّ صفوف المتظاهرين شابّان "ميليشيا" (من بلطجية ابن علي، حسب التعبير المصري). كان الأول يُزمجر ويُرعد، والثاني يتبعه في صمت. والغريب، أن لا أحد استطاع –أو حاول- التصدّي له. لقد كان حالنا كحال قطيع من الخرفان يشقّه ذئب مفترس.

أرخى الليل ستار الظلم على البلاد. فلا حصيلة لضحايا اليوم، ولا تنازلات للحاكم بأمره. وانتشرت الإشاعات والإشاعات المضادّة من مصادر رسمية وشعبية. وقبيل الساعة الثامنة، يرد على قناة الجزيرة خبر طيران ابن علي نحو أوروبا. فيطير الشعب فرحا. ثمّ تتضارب الأنباء، ويزداد الجوّ اضطرابا: لقد فرّ مساجين حبس كذا وكذا. لقد انتشرت في البلاد عصابات مسلّحة على متن سيارات كراء. لقد تمّ قنص مواطن، فآخر، ثمّ آخر... حتى خرج علينا الوزير الأول لنظام ابن علي.

 خرج محمد الغنوشي عبر تسجيل متلفز يتوسّط كلاّ من فؤاد المبزّع وعبد الله قلال رئيسيْ مجلسيْ النواب والمستشارين. الخبر الذي أُعِدّ في عجل، وقرأه الغنوشي في ارتباك ينصّ على أنّ ابن علي قد كلّف قارئ البرقية بتولّي مهام رئيس الدولة مؤقّتا –أي لأجل غير معلن-. الشعب لم يكترث، ولم يكن يهمّه لحظتها فحوى الخطاب.

 فالمهمّ أنّ ابن علي قد رحل // الشريط المصاحب

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 14 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/24/ عاجل في انتظار التفصيل

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/24/  عاجل في انتظار التفصيل 

تذكير للمستأثرين الجدد بالثورة

علمت للتوّ أنّ فعاليات ثقافية تُقام محلّيّا (14 / 01 / 2012) للاحتفال والتأريخ لثورة ديسمبر2010/جانفي2011
وأنّ مسيرة ستجوب الشوارع إحياء لذكرى الثورة.
من سيخرج في هذه المسيرة؟
هل تمّ مثلا، استدعاء اليسار الذي ساهم في الثورة منذ بداياتها -وإن كان بعدد لايتجاوز أصابع اليد الواحدة-؟
أمّا الراكبون اليوم فلم يخرج منهم أحد سوى شابّ دفعه الحماس للانضمام في اليومين الأخيرين من سلطة ابن علي.

لذلك أردت -ولو عن بعد- التذكير بهذا، ومشاركة الساهرين على المهرجان بهذا الفيديو، والذي لم أكن أنوي تنزيله من قبل. وهو يصوّر الأحداث التي كنتُ قد سردتها بمناسبة 13 جانفي 2011.

وسأعود بإذن الله للموضوع قريبا
هذه فقط وثيقة أولية علّها تُفيد المستنهضين الجدد 
http://www.youtube.com/watch?v=ywf2QTKOgGQ

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 14 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/23// محلّيّا

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/23/ رابع أيام الحسم الخمسة// محلّيّا

لقد تواصلت –كامل يوم الخميس 13 جانفي 2011 اليوم قبل الأخير لرحيل ابن علي- زيارات السكّان باختلاف ألوانهم وأعمارهم للمباني المحترقة: للوقوف على حقيقة ما يحدث، أو التقاط الصور التذكارية أو جمع ما تبعثر من الأوراق والوثائق. أغلب الموظّفين والعمال لم يلتحقوا بأعمالهم الحكومية أو الحرّة. فلا أحد يستطيع التكّهن بقادم الأخبار. الجميع في حيرة، والكلّ يُصرّ على أنّ مُخرّبي البارحة ليسوا من سكان البلدة، بل هم أجانب عنها.

انتصف النهار ولا حلّ في الأفق. وبعد صلاة العصر، علمتُ أنّ بعض المتطوّعين من أهل البلدة -ثمّ شاهدت ذلك على شريط فايس بوكيّ- قد اجتمعوا بالشباب، وأحاطوهم علما بالخطر القادم من الخارج مع نزول الليل، ودعوهم لحراسة مداخل المدينة. وكحالة الشباب دائما فقد أسرعوا في جوّ احتفالي بهيج، مُتأبّطين العِصيّ والأسلحة البيضاء نحو مشارف البلدة في انتظار الغزاة. الجوّ شديد التوتّر، وعدم انضباط شباب الحراسة زاده تأزّما. لم يكونوا مُدركين لخطورة الوضع. كنتُ كغيري من الأهالي أسير هائما دون وجهة. أقف زمنا على هذه الثغرة، ثمّ أتحوّل إلى الأخرى. أصعد دار التجمّع المحترق لأطّلع على آخر الاستعدادات ثمّ أعود سائحا بين الطرقات.

أظلمت الدنيا، وأقفرت الشوارع والأزقّة. لقد ترك الأهالي المدينة في أياد أمينة لأشجع وأقوى الشبّان. وعادوا إلى منازلهم في اطمئنان، أو أنّهم أقنعوا أنفسهم بذلك. مرّ وقت قصير أو طويل لا يهمّ. فما دام المستقبل صار مجهولا، لم يعد الوقت يعني الكثير. فجأة، سمعت ضجيجا أخذ يتّضح شيئا فشيئا. صعدت السطح. فإذا سماء البلدة تغشاها سحب الدخان، وألسنة اللهب ترتفع إلى أعلى مع تصاعد الصياح والتكسير. ماذا يحدث؟ هل احتلّ الغزاة المدينة؟ وأين الحرّاس المؤتمَنون؟ 

الخطر يتقدّم سريعا باتّجاهي –أو هكذا خُيّل لي-. نزلتُ مسرعا خبّأتُ ما خفّ حمله وغلا ثمنه. أيقظتُ أفراد أسرتي، إلاّ قريبة مريضة تجاوزت الثمانين من عمرها، تركناها لقدرها. وأسرعنا نحن لقدرنا على السطح. ازداد في الخارج الصياح والدخان واللهيب، وازداد معها في الداخل الخوف والحزن والغضب. أشبعت ابن علي والحاكم والشباب سبّا وشتما. ثمّ عاد الضجيج ليبتعد قليلا قليلا. وعندها عادت إليّ شجاعتي. أخذتُ عصاي وخرجتُ أستطلع الأحداث مُقتفيا أثار المُجرمين. وعلى رأس الطريق، وجدت أمثالي قد خرجوا هم أيضا. وعلمتُ منهم أنّ أحد أثرياء الحومة قد رمى لِـ " الثوار " لفّة من المال، اختلف الحاضرون حول مبلغها. فعادوا أدراجهم مكتفين بما حصلوا عليه ليلتها. واصلتُ طريقي، وواصلت الاستماع لحكايات كثيرة ومتنوّعة، ليس هذا مجال سردها. باختصار شديد، لقد وجدت قلب البلدة بعد زحف "بني علي" حطاما// الشريط المصاحب
 فالبارحة، وعندما كان العدوان خارجيا -كما اعتقدنا-، شبّت الحرائق في مقرّات حكومية: أمنية وحزبية ومالية وإدارية. وهذا شيء نتفهّمه، بل نراه ضروريا في حالة استثنائية كالتي نعيشها. أمّا اليوم، فقد طال النهب والتخريب محلات للخواص كـ: مغازة للآلات الالكترونية ومكتبة لبيع المواد المدرسية وجزّار وحمّاص، واحترقت في هذه الليلة بعد كلّ الاستعدادات مكتبة عمومية، ومكتب تشغيل وقباضة مالية//الصورة المصاحبة.

وقد أعود لأحداث هذه الليلة بالذات في وقت آخر بحول الله.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش     
نسخة 14 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

vendredi 13 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/22

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/22/ رابع أيام الحسم الخمسة

أهمّ ما ميّز 13 جانفي 2011 اليوم قبل الأخير لرحيل ابن علي

·        الانتفاضة الشعبية تعمّ كلّ المناطق
·        عمليات النهب والتخريب تتزايد في البلاد
·        الشرطة تنسحب من كلّ المدن والقرى
·        عمليات القنص ترتفع بصفة ملحوظة
·        ابن علي يُلقي خطابه الثالث والأخير باللهجة الدارجة: ومن ( 1- بكلّ حزم ) فـ ( 2- سيُحاسبون ) إلى ( 3- غلطوني )
·         شريحة من الشعب تخرج في مسيرات مساندة لابن علي
·        لطفي العبدلي –مع تحفّظنا على سيّئاته الكثيرة- يطلق عبارة( ديقاج )
·        دعوات التحريض على العصيان المدني تكتسح الفايس بوك بعد رفع الحاكم التحجير عن اليوتوب// الشريط المصاحب http://www.youtube.com/watch?v=nyaW3TNG2NQ

·        ولاية بنزرت وبعض ولايات أخرى تُعلن الإضراب العام//الشريط المصاحب 
http://www.youtube.com/watch?v=rcRfA_ysTJk

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة 13 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

jeudi 12 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/21

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/21/ ثالث أيام الحسم الخمسة// محلّيّا

اليوم  هو الأربعاء 12 جانفي 2011 . حديث الساعة هو حديث الثورة. ولا مؤشّرات تدلّ على اقتراب الحريق من بلدة العالية. ولكن أعمال الحرق التي طالت مدينة بنزرت ومدن أخرى البارحة 11 جانفي جعلت رئيس البلدية -المسؤول الإداري الأول- بعد فرار معتمد الجهة يتّصل -حسب من أثق بروايته- بوالي الجهة طالبا حماية الجيش، ولكنّ المسؤول الجهوي أعلمه بأن لا صلاحيات لديه تُمكّنه من ذلك. ومضى النهار ثقيلا ثقيلا. كيف لا يكون ذلك، ويوم الغد 14 جانفي هو يوم دخول الليالي السود حسب المصطلح الفلاحي.

أظلمت الدنيا، وعمّ البلدة إحساس غريب. حديث يتمّ تداوله عن قدوم "عصابة" من بلدة مجاورة لإحراق الأخضر واليابس. مجموعات من الشباب منتشرون في حلقات على طول الشارع الرئيسي يتبادلون الأحاديث والفكاهات. غير أنّ المارّ لا يستطيع تبيّن ما يدور بينهم. جبتُ الطريق الرئيسية ذهابا وإيابا، متسلّحا بعصا، حتى ارتفع أذان صلاة العشاء. دخلت الجامع المركزيّ كما تحلو لصاحبه التسمية. في تلك الأثناء كان يبلغ مسمعي صراخ الشباب وتصفيرهم وتصفيقهم. الجوّ احتفاليّ ولا يُنبئ بشرّ. انتهت الصلاة، وخرجتُ لأجد بضعة تجمّعيين أكثرهم من المخضرمين وقد تحلّقوا أمام مقرّهم بِنيّة الحراسة. اقتربت أتجاذب الحديث مع بعضهم -فكلّهم أصدقاء-. وقبل انصرافي، اقترحتُ عليهم التواري عن الأنظار حتّى لا يكونوا سببا في استفزاز الشباب. ثمّ واصلت طريقي، وقد اصطحبني أحدهم. سرنا مع الشارع الطويل الطويل. عدد الشبان تناقص لدرجة كبيرة. لم يبق إلاّ سمّار الليالي –أو هكذا بدا لي-. مرّ وقت ولا شيء يوحي بالخطر. فعدتُ إلى منزلي.

  فجأة، وبعد مضيّ ساعة تقريبا اتّصل بي قريب من العاصمة ليسألني عمّا يحدث عندنا. فطمأنته راويا له مشاهداتي، فإذا به يُعلمني بأنّ البلدة قد احترقت: مركز البريد احترق، والبنك احترق، ومستودع البلدية احترق، ووو. كيف تمّ ذلك، وأنا عائد للتوّ من هناك؟ وكيف عرف مَن هو متواجد في العاصمة كلّ ذلك؟ إنّه الفايس بوك// الشريط المصاحب
 كيف لي أن أُصدّق أخبارا كنت شاهدا على عكسها. فعلا إنّ الفايس بوك لا يعرف الكذب "تلك المدّة". لقد احترق ما احترق، وفي جوّ احتفاليّ كذلك. وكلّ ما قام به رجال الشرطة تلك الليلة مع التعزيزات الواصلة هو حماية جناح يضمّ قباضة مالية ومركزيْن للشرطة والحرس. واكتفوا بإطلاق الغاز المُسيل للدموع كلّما حاول هؤلاء الاقتراب من عرينهم.

ومع طلوع الفجر، اتّضح "المشهد الثوريّ" أكثر. وجاء من أقصى البلاد "وليّ أمرها" ولم يكن هو –أو غيره- يعلم أنّ ولايته قد أشرفت على نهايتها. جاء محفوفا بأشخاص غرباء جدّا، مُحترمين جدّا ليُعاينوا الأضرار، أو ربما لاستقاء معلومات قد تُفيدهم في مستقبل الأيام. والغريب، أن يشهد ذلك اليوم 13 جانفي إخلاء حرس المرور لمركزهم، وتسليم مفاتيحه لصاحب البناية الذي كان قد طالبهم، قضائيا، ومن زمان باسترجاع عقاره.

وبعد كلّ هذا، هل انتهى مشهد "الحرق الثوري"؟ لا، فقد شهدت البلدة فصلا آخر ليلة 14/13جانفي.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة 13 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.