Pages

Nombre total de pages vues

samedi 30 juillet 2022

موقفنا من حركة تمرّد-تونس أو لعبة الثورة

.
موقفنا من حركة تمرّد-تونس أو لعبة الثورة

استبشرنا خيرا بانتخابات 23 أكتوبر 2011 وساهمنا فيها لاعتلاء أحد أحزاب الترويكا سدّة الحكم. امتثلنا لهدنة الستة أشهر التي طالب بها رئيس الجمهورية الثانية والتزمنا طوالها الحياد. انحرف المجلس التأسيسي عن مساره ثمّ انقلب على ناخبيه. عجز القضاء عن انتزاع استقلاليته وفشل في محاسبة رموز الفساد في عهديْه البائد والحاضر. انقضّت الحكومة –بقلبها النهضوي- على السلطة وراحت تُشبع غرائزها الدفينة. فتعثّرت خطواتها وانكشفت عوراتها.

انتهت مدّة الهدنة، فخرجنا عن صمتنا وتوجّهنا –من خلال العالميْن الافتراضي والواقعي- بالنصح ولفت الانتباه لأخطاء ارتكبها الحاكم النهضاوي وأنصاره والمحسوبون عليه، فتجاهلنا الجميع. توالت أخطاء الحاكم وأنصاره و"مُؤدلَجوه"، وعندما انتقدنا تلك التصرّفات سخر منّا الكثير. تواصلت تجاوزات الحاكم النهضاوي ومريدوه وارتفعت حدّتها، وعندها أعلنّا رفضنا القاطع لهذه الجماعة الانتهازية الحاكمة بمجلسيْها التنفيذي والتشريعي. وقد اقتصر نقدنا وحتى سخطنا على أعضاء السلطتيْن التنفيذية والتشريعية بصفتهم الوظيفية، لا كأشخاص طبيعيين. فلم نمسّ مرّة من ذواتهم، ولم نُشكّك يوما في وطنيّتهم. ورغم ذلك، فقد عادانا البعض وحاربنا البعض الآخر.

وأمام انقلاب نواب التأسيسي على الشعب وعجز أعضاء الحكومة على تنفيذ أبسط غايات الثورة، كان من البديهيّ أن نصطفّ بالجهة المقابلة غير الحاكمة. فانحيازنا –ماضيا وحاضرا ومستقبلا- لاتحاد الشغل كان لاعتقادنا الراسخ أنّه الجهة الوحيدة المؤهّلة لتحجيم السلطة، أيّة سلطة. ووقوفنا إلى جانب اليسار المعارض لم يكن جهلا منّا لإيديولوجيته الماركسية اللينينية المرتكزة على الشيوعية، وإنّما جاء ردّ فعل طبيعيّ على ظهور إيديولوجية أصولية مقابلة. وقبولنا لتكتيكات جبهة برغماتية هي خليط من العَلمانيين والحداثيين والليبراليين لا يعني إيماننا بركيزة عنقاء ديمقراطيتهم وهي: الشعب مصدر السلطات. وإنّما كان لتعرية الحزب المُتحكّم في السلط الثلاث والمُتقمّص زورا دمقرطة الإسلام.

واليوم 02/07/2013، علمنا أنّ جهات لم نتبيّن بعد هويتها تدعو لإنشاء حركة تمرّد نسجا على المنوال المصري. هدفها رفض مشروع الدستور الجديد وإسقاط المجلس التأسيسي وجميع السلط المُنبثقة عنه. نحن نعلم أنّ مشروع الدستور صار كوِعاء قضاء الحاجة لرضيع –أعزّكم الله- وأنّ غالبية الشعب –ونحن منهم- في حالة إحباط شديد. وقد قلنا في عجز الحكومة وخيانة التأسيسي ما لم يقله مالك في الخمر. ولكنّ الأمر أصبح مُختلفا اليوم.

فالدستور الجديد مهما بلغت التوافقات حوله لا يعنينا في شيء. فتنقيحات الحاكم المستقبلي لبنوده والقوانين الإجرائية التي ستضبط مجال كلّ فصل من فصوله هي التي ستحدّد مدى صلاحية هذا الدستور أو درجة فساده. أمّا الصراع الدائر الآن حوله هو صراع نفوذ وتنازع صلاحيات لا تعنينا كثيرا.  و"الحقوق الكونية" للمواطنين أو "حرية الضمير" كما نصّ عليها المشروع الحالي ليست سوى حقوق ينتزعها بعض الشعب من بعضه الآخر: الطفل من أبيه والأجير من مؤجّره والأنثى من الذكر والمرأة من أسرتها... وأمّا واجب الدولة والسلط في كلّ ذلك فقد اكتفى دستور المستقبل بالتنصيص أنّ وظيفة الحاكم ستقتصر على إنشاء البنية التحتية وتقديم الأدوات الضرورية أي توفير كلّ ما هو مبسّط فقط.

أمّا عن إسقاط المجلس التأسيسي وجميع السلط المُنبثقة عنه، فهذا سيترتّب عليه تعويض أشخاص فاشلين في قصور باردو وقرطاج والقصبة بآخرين مجهولين. وبقطع النظر إن كان المُعوّضون من صحابة رضا بلحاج الأصولي أو من أصحاب رضا بلحاج البراغماتي فسيُقدم هؤلاء أنفسهم للشعب على أنّهم منقذو الوطن وحماة الحمى والدين، وستنطلي علينا. ثمّ وبعد سنة ونصف السنة نكتشف أنّ نسخة ذلك كانت كذلك، أو ربما جاء البديل أسوأ من سابقه. وعندها علينا أن نقوم بثورة ثالثة لتصحيح المسار من جديد.

ولكن لو صبرنا على النخبتيْن الحاكمة والمعارضة على حدّ السواء مع مواصلة بل وتكثيف الضغط عليهما لاختصرنا المرحلة الانتقالية وخرجنا منها بخسائر أقلّ من الانزلاق إلى ثورة جديدة لم تتوفّر أدنى مقوّماتها. وإذا أصرّ البعض –هذه اللحظة- على التمرّد على أشخاص أوصلهم المُتمرّدون أنفسهم  لمنصّة السلطتيْن التشريعية والتنفيذية، فستكون الهزّات الارتدادية لهذا التمرّد –لا قدّر الله- أكثر ضررا من عدم التغيير نفسه.

والسلام، عثمان الدرويش
02 / 07 / 2013
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire