Pages

Nombre total de pages vues

dimanche 5 mars 2023

خالد بوجمعة قبل أن تصل الثورة إلى الكثيرين





.
هذا هو خالد بوجمعة قبل أن تصل الثورة التونسية إلى أحلام الكثيرين

                 الخميس 16 أوت 2012 / 28 رمضان 1433/ قام سمير القنطار المُوالي لحزب الله الشيعي وفرس إيران الصفويّ، بزيارة مدينة بنزرت، [زيـــــارة مرفـــــوضة بالنسبة لــــي شكلا ومضمونا.] وأثناء هذه الزيارة، تمّ الاعتداء بالعنف الشديد على خالد بوجمعة. فمن هو خالد بوجمعة؟

                خالد بوجمعة هو ذاك الذي يظهر مُلتحيا، يرتدي الشاش الفلسطيني، ويهتف: بالروح بالدم نفديك يا شهيد، وهو الذي يتلو فاتحة الكتاب وصلاة الفاتح على أرواح شهداء سيدي بوزيد ومنزل بوزيّان. خالد بوجمعة هو واحد من قلّة كان يهتف وقتها:

صف واحد في النضال، تلامذة وطلبة وعمال
يا شهيد لا تهتم، الحرية تفدى بالدم
بالروح بالدم، نفديك يا شهيد
يا مواطن يا مسكين، قتلوا خوك في القصرين
يا شهيد ارتاح ارتاح، شعبك ماض في الكفاح
تونس تونس، حرّة حرّة، والعصابة على برّه
حريّات حريّات، لا رئاسة مدى الحياة
يسقط نظام السابع، مجرم وعميل وتابع
يا نظام يا سفّاح، يا قتّال الأرواح

               هو الذي يظهر في الفيديو المصاحب من ضمن فيديوات أخرى مُسجّلة في أواخر ديسمبر 2010 وبداية جانفي 2011 أي قبل أن تصل الثورة التونسية حتى إلى أحلام الكثيرين.

             وحتّى لا أُتهّم بأنّي من الملالي، أُدافع على الصفويّين هذه مدوّنتي http://penseesopinions.blogspot.com/ وقد نزّلت فيها سابقا مقالات تحت عنوان:  [ استباقا للمدّ الفارسي وتجاوزا للمذاهب الدينية ] هي عبارة عن مُقتطفات من كُتيّب بعنوان [ مقاربة اجتهادية في مهرجان النصر ] كنتُ ألّفته في رمضان 1427/ أكتوبر 2006 حيث قلتُ في الملالي ما لم يقله مالك في الخمر.

وهذه صورة لـ خالد بوجمعة أيّام "الاستقرار" النوفمبري: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=456262114413848&set=a.195524620487600.45563.100000901896858&type=1&relevant_count=1

والسلام، عثمان الدرويش
مسؤولية وحقوق هذه المادّة لصاحبها
18 / 08 / 2012
نسخة هذه المادّة على الرابط التالي: 

lundi 30 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/41

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/41
الثلث الأول من فيفري، ملحق بالثورة

وصل بنا الحديث إلى جمعة 28 جانفي 2011، عشية تمكّن فرق الداخلية المختلفة –بعد انسحاب الجيش- من إخلاء ساحة القصبة من باقي الشباب المتمسّك بإسقاط حكومة الغنوشي. وبقبول النخبة التونسية –أو أغلب مكوّناتها- بِــ ((بديل ثوري)) من داخل قصر حكومة نوفمبرية، انقلبت الشرعية الثورية إلى شرعية توافقية وتحوّلت قضية القطع مع الماضي والفراغ الدستوري إلى تواصل حضاريّ وانتقال ديمقراطيّ وتجزّأ الحقّ الوطني إلى حقوق فئوية.

وفعلا، بدأت ملامح الطبخة السياسية في البروز: تقلّصت فترة حظر الجولان، وظهر رجال الأمن –باحتشام- في بعض المناطق// الشريط المصاحب
 تزامن الكشف عن كنوز ابن علي بابا بقصر سيدي الظريف مع قرار تجميد أرصدة صاحبها// الشريط المصاحب
قام "بطل المرحلة" فرحات الراجحي وزير الداخلية بسلسلة تنازلات أدّت إلى تأسيس نقابات للأمن والترخيص لعشرات الأحزاب السياسية والنشريات الإعلامية. وقام بتسمية ولاة جدد في عديد الجهات. كما أمر وزير الداخلية هو نفسه بتعليق نشاط التجمّع –الحزب الحاكم- وغلق مقرّاته.
وفي هذه الفترة، برز "بطل ثان" هو أحمد ونيس وزير الخارجية، غير أنّ نجمه سرعان ما أفل. وحاول وزير التربية الطيب البكوش امتطاء الموجة بتنشيط "لقاء صريح شفاف" مع تلامذة الثانوية حول قضية التربية والتعليم.
وكان من الطبيعي أن يُتوِّج مبادرة حسن النوايا هذه، فؤاد المبزّع بصفته رئيسا لمجلس النواب حسب بعض فصول الدستور، أو كرئيس للدولة حسب بعض فصول أخرى من نفس الدستور. فدعا نواب الشعب المُنتخَبين للانعقاد في جلسة خارقة للعادة يوم 7 فيفري 2011. حيث فوّض له المجتمعون جميع صلوحياتهم وصلوحيات غيرهم، وأصبح المبزّع الحاكم بأمره. غير أنّ جامع السلط هذا، خيّر منح كلّ المهام لرئيس وزرائه فيما بعد الباجي قائد السبسي.
ولم يكن النظام العالمي الرسمي –والمُستفيق من غيبوبته للتوّ- في معزل عن عرس الثورة. فتهاطلت على تونس المنح والهبات، أو بالأحرى التصريح الإعلامي عنها. ولعلّ الإعلان الأكثر بريقا هو نصب تمثال للمرحوم البوعزيزي في ساحة يُطلق عليها اسمه في قلب عاصمة الأنوار باريس.

 ولكنّ كلّ هذه الإجراءات لم تكن محلّ قبول بالإجماع من طرف الشعب. فقد اختارت فئات منه مع نخبها مواصلة الثورة بطرق جديدة مختلفة أحيانا بل ومتناقضة في أغلب الأحيان. وبذلك، تشظّت الثورة وانقسمت إلى ثورات في اتجاهات متعاكسة. وتفرّعت الإرادة الموحّدة للشعب إلى إرادات متنافرة. والكلّ أصبح يغنّي وا ثورتاه.

اختلط الحابل بالنابل، فعرفت  البلاد في الفترة التي نحن بصددها –أي الثلث الأول من شهر فيفري- موجات حرق (حرق للخارج في اتّجاه أوروبا) وحرق في الداخل خاصّة للسجون والمقرّات الأمنية كمنطقتيْ الكاف وقبلي. وعادت لعنة "ديقاج" تصبّ على هذا المسؤول أو ذاك، وكان نصيب الأسد للولاة الجدد. وتحرّك "مُصلحو البلاد" لإغلاق الدور المنافية للأخلاق، واغتنمت جهات مجهولة الفرصة لتعطيل سير الدروس بافتعال اضطرابات أو حتى إشاعات في عديد المعاهد والمدارس التي أُعيد فتحها ضمن مبادرة حسن النوايا المذكورة أعلاه.
وانتقل الفايسبوكيون لنبش ظروف حوادث قتل أو استغلال نفوذ، دون وصولهم إلى نبش أعراض البشر، أي أنّ الحالة لم تتحوّل بعد إلى وباء، وإن كانت عوارض الإسهال الفايس بوكي بدأت تُوحي بذلك. وتحت كلّ هذه الضاغطات وجدت المؤسسة العسكرية نفسها مضطرّة لدعوة الاحتياط للالتحاق بمراكز التجنيد تحسّبا لكلّ ما هو طارئ...
يتبع بإذن الله... 
 يوم الأربعاء 6 فيفري 2013، وصل إلى مسمعنا خبر اغتيال المرحوم شكري بلعيد. توقّفنا فـ41ـي من هذه المقاربة الذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس. وبعد أيام من فاجعة الاغتيال، أردنا مواصلة تنزيل بقية مشاهد المقاربة، فلم نعثر على أثر لبقية الأرشيف.

 وبما أنّنا فقدنا الدافع ومتعة الكتابة في المسألة، فضّلنا التوقّف عند هذا الحدّ.    
والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 10 / 02 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

.

dimanche 29 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/40


.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/40
 هل للثورة ملحق؟
...

كنّا قد وصلنا في هذه المقاربة الذاتية عند أحداث 28جانفي2011 والتي شهدت فكّ اعتصام القصبة وافتكاك الشرعية الثورية من الشعب. ومع صياح الديك فجر اليوم الموالي، انتهت "حكاية ثورة" وسكتنا عن الكلام المباح. إذ في اعتقادنا، أنّ كلّ الأحداث المتعاقبة بعد هذا التاريخ، لم تكن سوى ارتدادات متفاوتة الأهمية لزلزال "ثورة". وبذلك نكون قد تناولنا:
·        المحطّة التمهيدية: [ما قبل 17 ديسمبر 2010]
·        المحطّة الرئيسية: [ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011]
·        المحطّة الإضافية: [ما بين  15 جانفي و28 جانفي 2011]

ولكن، وبما أنّنا قد صرّحنا منذ البداية بأنّ هذه المقاربة هي ذاتية، وبالتالي لا تستجيب لشروط الدراسة البحثية-العلمية ولا ترقى إلى درجة الوثيقة التاريخية،
وبما أنّنا اعتبرنا أنّ النفوس لم تهدأ بما يكفي حتى نقوم بتشريح مصطلح الثورة،
وبما أنّنا التزمنا بأن يكون هدفنا من هذه المقاربة هو المساهمة في ترميم الذاكرة الجماعية لا غير،
 لذلك كلّه ارتأينا إقحام محطّة رابعة تكون بمنزلة "ملحق" في المشهد الثوري الحديث بتونس.   

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 09 / 02 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

samedi 28 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/39

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/39
جانفي1978/ جانفي2011
المؤسسة العسكرية بين سلطتَي الحاكم والاتحاد
...
طيلة محطاتنا السابقة كنّا قد عرضنا تلميحا أو تصريحا في مواضع عديدة، المواقف التي اتّخذها الجيش في أزمتيْ جانفي78 وجانفي11. وهذا سيُعفينا من إعادة سرد الأحداث، ويجعلنا نقفز لعرض بعض خواطرنا حول الدور الذي قامت به المؤسسة العسكرية في الأزمتين المذكورتيْن، من خلال مُتغيّريْن اثنيْن فقط هما: رأس الدولة ورأس اتّحاد الشغل مع تحييد العوامل الأخرى.

كان المسار الاشتراكي قد برز عربيا في ستينيات القرن الماضي على يد جمال عبد الناصر شرقا وأحمد بن بلة/الهواري بومدين غربا. وحاول بورقيبة إثبات زعامته في خطوة مماثلة، فشرع في تنفيذ ما أُطلق عليه اسم "برنامج التعاضد". ولكن ما إن سقط المشروع حتى انقلب بورقيبة على صاحبه أحمد بن صالح الاشتراكي سنة69 ليُنصّب مكانه الهادي نويرة الليبرالي سنة70. أشرنا لهذه النقطة للاستدلال فقط على أنّ الحبيب، أي المجاهد الأكبر لم تكن تهمّه إلاّ الزعامة. لذلك عندما اصطدم مشروعه الثاني العَولمي -وقد بدأ اقتصاديا- بصخرة حبيب آخر في جانفي 1978، هو الحبيب عاشور زعيم اتّحاد الشغل، كان رئيس الدولة مستعدّا لاستعمال كلّ الوسائل لإزاحة رئيس الاتّحاد. وقد تعرّض عاشور لمحاولة اغتيال في الأيام القليلة التي سبقت أزمة جانفي78 بعد أن استقال هذا الزعيم النقابي من الحزب الاشتراكي الذي كان يتزعمه بورقيبة. وبما أنّ بورقيبة كان يترك مجالا من حرية التصرّف لرجالاته في الحزب والحكومة ما دام ذلك يخدم شخصه وفكره. فقد كان بديهيا أن يُبادر "ذراع بورقيبة" الصيّاح ومليشياته بقلب المعادلة وإجهاض انتفاضة 78، وهذا الإجراء برّر للمؤسسة العسكرية اختيارها الوقوف إلى جانب الصفّ المعادي لاتّحاد الشغل وزعيمه وطبقته الشغيلة. وهكذا تمّت مجزرة الخميس الأسود.

أمّا ظرف أزمة جانفي2011 وملابساتها، فهي مغايرة، بل نكاد نجزم أنّها على النقيض تماما. فابن علي لم يكن زعيما، وهُو نفسه لم يدّعِ ذلك يوما. فبطانته السيّئة هي التي شكّلت هذه الزعامة باسمه، وأمسكت بخيوطها ثمّ استعملتها لتفكيك القوانين والمؤسّسات. وبالتالي أصبحت الشرطة أشرطة متداخلة تراقب بعضها، والمؤسّسة العسكرية تحطّمت رموزها وكثر ضباطها، والتجمّع صار حزبا مناسباتيا دون رأس، فلم تدخل أنصاره حلبة الثورة إلاّ قبل رحيل ابن علي بساعات.
 وفي الطرف المقابل، كان الاتّحاد يشكو من نفس العلّة: جراد يناشد ابن علي لفترة رئاسية سابعة مقابل تحوير البند العاشر من القانون الداخلي للاتّحاد (حتى يضمن جراد لنفسه البقاء على رأس المنظمة الشغيلة)، وقياداته منقسمة بين التأييد والرفض. وعليه، فعندما تندلع احتجاجات شعبية متناثرة في الزمان والمكان، ويتمّ تسريح جيش من ثكناته الاسمنتية لحراسة مؤسسات "لم تعد حكومية"، ثمّ يلتحم جنوده –وطيلة أيام عديدة- مع شرائح المجتمع المختلفة، فتتمتّن العلاقة بين الجندي النظامي والمواطن الشعبي.//الصورة المصاحبة.
فهذه الظروف كلّها مجتمعة، جعلت المؤسّسة العسكرية تجد نفسها منحازة للشعب، أو لنقل بأكثر دقّة غير متحمّسة للحاكم// الشريط المصاحب

وقبل كلّ ذلك وبعده، ألم يكن من ألطاف الله أن تكون ثورة ديسمبر2010/جانفي2011 دون رؤوس أو على الأقل، هكذا بدأت.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 31 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

الفيديو المشار إليه بالنصّ



vendredi 27 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/38


.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/38

الخميس الأسود 26جانفي1978:
تحوّل بورقيبة من اشتراكية ابن صالح  إلى ليبرالية نويرة  -3
...
تعدّدت أوصاف المراقبين لـ الحبيب بورقيبة وتنوّعت حسب المرحلة أو الظرف. غير أنّها تتّحد كلّها في تحقيق هدف واحد هو أن يكون: [هو المنتصر الأوحد دائما وأبدا]. وعودة لما كنّا بصدده، مضى نهار الخميس الأسود مثقلا بحصيلة مئات الشهداء، مئات الجرحى، ومئات المعتقلين.// الشريط المصاحب
 وشرع الحاكم في طمس معالم جريمته منذ الليلة الأولى بعد المجزرة. كلّ ليلة، يقطع التيار الكهربائي على المناطق المحيطة بمقبرة الجلاز، حيث تتوجّه شاحنات الجيش مسبوقة بآليات ثقيلة أخرى. وتستمرّ الحركة هناك لساعتين أو ثلاث. ثمّ يعود التيار الكهربائي ويعود معه الهدوء من جديد. وقد راقبتُ العملية لثلاث ليال متتالية مستغلاّ تواجدي عند أقرباء لي كانوا يقطنون عمارة –حذو سكّة المترو الآن- قبالة مقبرة الجلاز.

وبعد أيام من الخميس الأسود تغيّر وجه تونس كثيرا، وظلّ كذلك لعقود. فلم يعد مسموحا للمترجل المرور على رصيف وزارة الداخلية، ولا الجلوس على درجات بناية الإذاعة والتلفزة بشارع الحرية. وأصبح المواطن يُشاهد فرقا عديدة ومتنوّعة من الشرطة والحرس، وسيارات الجيب العسكرية على الطرقات الرابطة بين المدن لمراقبة تحرّك آليات الجيش. بل إنّ أضواء شارع باب عليوة المقابل لمقبرة الجلاز اتّخذت اللون البرتقالي الحالي منذ تلك الأزمة. كما نُصّبت قيادة جديدة موالية للحاكم على رأس الاتحاد العام بعد ما تمّ الزجّ بقيادتها الشرعية في السجون وعلى رأسها أمينها العام المرحوم الحبيب عاشور. وأصبح النقابي مطالبا بتجديد انخراطه في الاتحاد سنويا، بعد أن كان التجديد يقع آليا. وغاب كلّ ما هو قومي واشتراكي (البنك القومي/الفريق القومي/ الشركة القومية/ عمومي مشترك/ الحزب الاشتراكي...) ليحلّ مكانه تدرجيا الوطني أو الجهوي/ الديمقراطي أو الخاص.

 هل حصلت كلّ هذه التغييرات –وأخرى كثيرة-، فقط بسبب إعلان الاتّحاد عن إضراب عام بيوم واحد؟ أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟
بداية لابد من ومضة خاطفة على أحد المشرفين على المطبخ السياسي البورقيبي، وهو الهادي نويرة. هذا الرجل الليبرالي الفرانكفوني كانت له وظيفتان: محافظ البنك المركزي منذ تأسيسه إلى عام70، ثمّ -ومباشرة بعد فشل اشتراكية ابن صالح- رئيس حكومة (وزير أول) إلى عام80. فهو محرّر الدينار التونسي، وهو صاحب قانون72، والمشجّع على التفويت في أراضي الدولة للخواص، ونقل سلطة القرار الاقتصادي من دولة الخدمات أو الدولة الحاضنة إلى أسواق المال والبورصة. وكلّ ذلك يتطلّب تفكيك النقابات والمؤسسات الإدارية. وطبعا، هذا ما جعل الاتّحاد يضطرّ لمواجهة موجة الهادي نويرة الأولى للعولمة الاقتصادية، بطرق متعدّدة وتصاعدية وصلت قبيل الأزمة للمطالبة بتنقيح المجلّة الانتخابية وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة.

استطراد، الحمد لله أنّ [اتّحاد ديسمبر 2010 /جانفي 2011] كان داعما فقط لاحتجاجات الشعب ولم يكن مهندسا لها، وإلاّ لكان جانفي 2011 نسخة من جانفي 1978، لا قدّر الله.
ونُنهي بإسناد وصف جديد للحبيب بورقيبة: المجاهد الأكبر، والمحامي الأول والعامل الأول والإعلامي الأول ووو... إنّه [المُعَولِم الأول] فهو بالخميس الأسود 78  قد سبق عصر ريغن/تاتشر [79/80 بداية الليبرالية الجديدة والعولمة الاقتصادية] وما حصل بعدها لم يكن سوى نقلة كميّة إلى ما هو عليه العالم الآن.  

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 29 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.


jeudi 26 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/37 : صور لا تزال عالقة بذهني -2

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/37

الخميس الأسود 26 جانفي 1978: صور لا تزال عالقة بذهني -2

قلنا إنّ الجيش سرعان ما انتقل –منذ التاسعة صباحا تقريبا- إلى الرمي بالرصاص الحيّ، واستهداف كلّ ما يتحرّك في الشارع. وتحوّل المشهد من تراشق بالحجارة من طرف، والغاز المسيّل للدموع من طرف آخر، إلى مطاردة مسلّحة لشعب أعزل إلاّ من حجارة الرصيف وعلب الكبريت. إذ لم تسلم يومها العديد من وسائل النقل والبنايات العامة والخاصة من التخريب والحرق. انسحبتُ وقتها من ميدان المعركة واختلطتُ مع غيري ببقية المارّة والموظّفين الذين تمكّنوا –أو غامروا بمغادرة مراكز أعمالهم-.
كنّا نسير في طرقات فرعية وأزقّة ضيّقة لم تشملها بعد المطاردة. حتّى إذا وصلنا مفترق طرق أوقفنا رجال الحماية المدنية بعض الوقت، ريثما يتمّ التنسيق مع مسلّحي النظام. عندها يتوقّف الرمي ونتقدّم نحن، الواحد وراء الآخر رافعين الأيدي في الهواء. أمّا الشوارع الرئيسية للعاصمة فقد خلت إلاّ من مجموعات شبابية أصرّت على مواجهة عدوّها من الفرق النظامية وغير النظامية. كانت الفرق المهاجمة على عربات مصفّحة تُشبه الدبابات غير أنّها تسير على عجلات مطّاطية.

أذكر جيّدا يومها، وعند مروري بزقاق مواز لنهج باب سويقة مشاهدتي لسلاح ملقى على الأرض بجانب قطرات دم لم تجفّ بعد، فكنتُ ومن معي نمضي مُهرولين غير عابئين بشيء. وفي زقاق آخر قرب باب الخضراء، بينما كنت أتحسّس ملاذا آمنا، إذ بشاب يجري في الاتجاه المعاكس لي بأقصى سرعة. واصلتُ سيري، ولحظة انعطافي في الزقاق، وجدت نفسي وجها لوجه أمام سلاح في يد شخص. نسيتُ ما كان يرتديه المُطارِد لذاك الشاب، ولكنّي على يقين أنّه لم يكن من الجيش. وقفتُ طرفة عين أمام المُسلّح -وهو يسبّ ويلعن-. ارتعدتُ رعبا. تلعثمتُ....."آ..آ..أريد التوجّه إلى كذا...فمن أين أذهب؟" ردّ عليّ: "امش واسأل ذلك....."لا أذكر أقال ذلك الجندي أو العون أو... ولم يكن يعنيني جوابه أصلا. المهمّ عندي أنّه أدرك وقبل لحظة الصفر أنّني لستُ مَن كان بصدد مطاردته.

استأنفتُ طريقي لساعات حتى أصل إلى نهج علي طراد. وأنا في منتصفه –صعودا- ألمح جنديّا يقف عند التقاء هذا النهج بحديقة القرجاني من تحت، وشابا من الجهة العليا للحديقة يشير بيديه ويقول كلاما لم أتبيّنه لبعد المسافة بيننا. ولكنّ المشهد الذي رأيته لحظتها، وما زال حيّا في ذاكرتي هو: الجندي يصوّب بندقيته نحو الشاب، أسمع طلقا ناريا، الشاب يهوي كجذع شجرة من فوق السور الحديدي –المثبّت وقتها على حافة شارع 9 أفريل-.

وفي حادثة أخرى على علاقة، روى لي الضابط (ن.ب) بالجيش بعد شهرين أو ثلاثة من الخميس الأسود، كيف استوقف زمن الانتفاضة شابا، قال لي الضابط:  بعدما تفحّصتُ بطاقة تعريفه أخليتُ سبيله، ابتعد الشاب خطوات ثمّ التفتَ وبصق نحوي. لم أتردد لحظة، صوّبت نحوه وأطلقت عليه النار قائلا "أهبط بوس بصقتك"./ انتهى كلام الضابط/ ولا أعتقد أنّ (ن) مازال حيّا وآخر ما سمعت عنه ومنذ أكثر من عشرين سنة أنّه أُدخِل مستشفى الرازي لمرض نفسانيّ أصابه. //والفيديو المُصاحب// عند مشاهدته منذ الأيام الأولى للثورة المصرية أحيا في ذاكرتي شريط أحداث الخميس الأسود، وربما هذا ما يُفسّر سبب احتفاظي به من دون عديد الأشرطة الأخرى
http://www.facebook.com/video/video.php?v=330440256996035&saved

ولّى نهار 26 جانفي، وانقطعت الأخبار إلاّ تلك التي كانت تذيعها "جزيرة ذلك الزمان" هيئة الإذاعة البريطانية من لندن (BBC). ثمّ أظلمت الدنيا واصطبغ المشهد الثوري بلون السواد.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 27 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

.

mercredi 25 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/36






مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/36
الخميس الأسود 26 جانفي 1978: انتفاضة لا بواكي لها -1  

بعد وصول المفاوضات الاجتماعية بين الاتّحاد العام التونسي للشغل والنظام الرسمي إلى طريق مسدود، هدّد المرحوم الحبيب عاشور الأمين العام للاتّحاد بشنّ إضراب عام بالبلاد يوم الخميس 26 جانفي 1978. وأمام تعنّت الحبيب بورقيبة، شهدت البلاد احتجاجات تصاعدية مدّة ثلاثة أيام متتالية، عرفت تونس العاصمة ذروتها يوم الخميس.

أمّا في اليومين السابقين فقد اقتصرت الاحتجاجات في أمسيتيْ الثلاثاء والأربعاء، على خطابات مطلبية وتجمّعات عمالية في ساحة محمد علي:
·        عشية الثلاثاء تفرّق المتظاهرون - دون خسائر تذكر- بعد مناوشات متفرّقة مع رجال للبوليس بالزيّ الرسمي وغير الرسمي.
·        أمّا الأربعاء، فقد بادر البوليس بسدّ المنافذ المؤدّية لمقرّ الاتّحاد. ولم يتمكّن من سماع خطاب ( CISL عشيتها إلاّ المبكّرين بالحضور. لقد أطلّ علينا مسؤول الكنفدرالية من نفس الشرفة التي ألقى منها عبيد البريكي يوم 8 جانفي 2011 خطاب "لن الزمخشرية". وبعد كلمة المبعوث الأوروبي، والتي كانت بلغة غير العربية، عمّت الفوضى الساحة والشوارع المحيطة بها. وشهدت تونس العاصمة أعمال حرق ونهب لعدّة ممتلكات عامة وخاصة. لكنّ الخسائر البشرية والمادية لذلك اليوم ظلّت محدودة وسرّيّة.

 وكعادة وسائل الإعلام الرسمية في كلّ زمان ومكان، لم تكتف التلفزة الوطنية بالتستّر على هذه الأحداث، بل ظلّت -ليلتها- تدعو المواطنين لعدم الإنصات للـ"فئة القليلة المأجورة" التي تهدف إلى تخريب البلاد وتدمير اقتصادها. وكما هو الحال دائما، تزاحم فقهاء السلطة على التلفزة -طوعا أو كرها- للإشادة بسداد رأي "الرئيس الأوحد" وتجريم "العصابة الضّالة". وكان هذا هو الخطأ القاتل في انتفاضة الخميس الأسود. فارتفاع عدد الشهداء يومها، والذي وصل إلى مئات عديدة –دون الجرحى- كان بسبب تقليل وسائل الإعلام من أهميّة الحدث، وحثّ المواطنين على مباشرة أعمالهم. وبالتالي اختلط الشارع صباح الغد الخميس بالمحتجّين والمندسّين والناس العاديين. فكثير من الشهداء كانوا ضحية إعلام مُضلّل، كما هو الحال بالنسبة لسعيد ماسح الأحذية//الشريط المصاحب

أفاق النّاس صباح الخميس 26 جانفي 1978 ليجدوا الجيش قد انتشر بشوارع العاصمة. بدأ المتظاهرون في رشق رجال الجيش بالحجارة، حجارة الأرصفة. إذ لم يجد المتظاهرون عناء كبيرا في اقتلاع جليز رُصّف فوق الرمل دون إسمنت. بداية، كان ردّ الحاكم إطلاق غاز مسيل للدموع، ثمّ تحوّل إلى رصاص: في الهواء، نحو الأرجل، فاستهداف المناطق العليا من الجسم.  كلّ تلك المراحل تمّ لفّها في دقائق قليلة، حيث سقط أمام عينيَّ أول شهيد أمام وكالة أسفار فرنسا والساعة تُشير تقريبا إلى التاسعة صباحا.

ومن تلك اللحظة انقلبت الأوضاع لصالح الحاكم بأيد رجال الجيش. جيش، عقيدته -من المفترض- هي الدفاع عن البلاد والعباد، لا حماية كرسيّ حتى وإن كانت صفة صاحبه رئيس دولة. أمّا رجال الشرطة -يومها- فلم يكن حظّهم أوفر من المواطنين العاديين المُضلّل بهم، والسابق ذكرهم. فقد كانوا مثل عامة الناس، يهرولون في الشوارع منزوعي السلاح، إذ يبدو أنّهم فقدوا صلوحياتهم للتوّ.

 وبدأت المجــــازر... 

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة الخميس 26 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

.

mardi 24 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/35


.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/35

عشية الجمعة 28 جانفي 2011: انتزاع الشرعية الثورية من الشعب

عرضنا فـ34ـي آخر المتغيّرات في المشهد الثوري لأيام 24 و25 و26 جانفي 2011، وكنّا نوينا التوقّف عند مقارنة سريعة للدور الذي قامت به المؤسسة العسكرية في جانفي 2011 // جانفي 1978. ولكنّنا ارتأينا مواصلة السرد لأحداث جانفي 2011، وإبراز بعض أدوار الجيش فيها. لأنّ هذا سيعفينا –أثناء المقارنة- من تكرار الحديث عن مواقف اتّخذها الجيش في الفترة الأخيرة وكنّا استعرضناها في مواضع سابقة.

بعد التعبئة الشعبية التي شهدتها ساحة القصبة، وأمام رفض المعتصمين للبديل-الحاكم (أي القادم من خارج رحم الثورة) وإصرارهم على إسقاط حكومة الغنوشي، انصرف النظام الرسمي إلى تنازل غادر: فبعد إعلانه منذ أيام عن تكوين لجنة لتقصّي الحقائق برئاسة المرحوم عبد الفتاح عمر –المعيّن أصلا لهذه المهمّة من طرف ابن علي قبيل سقوطه- تمّ يوم 27 جانفي 2011 الإعلان عن إحياء لجنة أخرى من لجان ابن علي يرأسها عياض بن عاشور للإصلاح السياسي. طبعا كان ذلك، بعد بعض التعديلات في الشكل والمضمون. وتمّ في نفس اليوم إجراء تحويرات جزئية في حكومة الغنوشي الأولى. حيث سُمّي فرحات الراجحي وزيرا للداخلية عوض أحمد فريعة، وعبد الكريم الزبيدي وزيرا للعدل بدل رضا قريرة. وشمل التحوير بعض الحقائب الوزارية الأخرى. وفعلا، وجدت الحكومة الجديدة ولجنة ابن عاشور مناصرين لهما من الطبقتيْن الشعبية والمؤسستية، فانسلخوا من اعتصام القصبة.
فعلى سبيل المثال وحسب (وات)، دعا كلّ من الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين المحتجين للعودة إلى جهاتهم. ولكنّ هذه الدعوات استقبلها المتبقّون من اعتصام القصبة بالرفض، أي كما كان الأمر تجاه إغراءات عُرضت عليهم من قبل، وتهديدات تعرّضوا لها خلال فترة الاعتصام.

ومن الغد 28 جانفي 2011، وبعد أول صلاة جمعة في ساحة عامة –وأيّة ساحة؟ إنّها ساحة الحكومة- قام الجيش بإخلاء مواقعه، تاركا المعتصمين مع قدرهم -وجها لوجه مع فرق البوليس المختلفة-.//الشريط المصاحب
 وما إن بدأ رشق الشرطة بالحجارة من طرف البعض، حتى انطلق عدد غفير من رجال البوليس في مطاردة للمحتجّين مستعملين الهراوات والغازات المُسيِّلة للدموع. تمّ خلالها تعنيف بعض الشباب وإلقاء القبض على بعض آخر.//الشريط المصاحب
 أمّا الذين تمكّنوا من الإفلات فقد هاموا على وجوههم في أزقّة ضيّقة وشوارع فسيحة في مدينة غريبة عنهم. وتحقّقت رغبة النظام بـ" تنظيف الساحة " من المحتجّين على قول قائد السبسي خليفة الغنوشي فيما بعد.  وضاع حقّ المُعتدَى عليهم بين أطراف "ثورية" مُتخلّية ووزراء جدد كـ(الراجحي في الداخلية والزبيدي في الدفاع) لم يمض على تعيينهم في الحكومة سوى ساعات قليلة.

ثمّ سرعان ما تعالت الأصوات من خلال أبواق الإعلام المختلفة، والنداءات عبر بيانات الأحزاب والمنظّمات مندّدة بالعمل الإجرامي للحكومة. ومن الغد، رُحِّل الموقوفون إلى مناطقهم الداخلية، بعدما تمّ إطلاق سراحهم جميعا. والتحقت بهم –على دفعات- نفس الأصوات والنداءات المُخادعة، ولكن هذه المرّة لمواساتهم وتقديم الاعتذارات وربما بعض الهدايا.



   وبتفكيك اعتصام القصبة يكون الستار قد أُنزِل على أهم فصل من فصول المشهد الثوري الحديث (بعد14جانفي). لقد كان فصلا تراجيديا-كوميديا بكلّ المعاني.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 24 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.