.
مقاربة قيس سعيّد
للدستور التونسي
وثيقة مرجعيّة
يوم 28-04-2013 /
نشرة أخبار الثامنة على القناة الوطنية1 التونسية
1 –
الإجراءات المُستقبلية المُتوقّعة:
سؤال:
بعد الإعلان عن انتهاء صياغة مسودة الدستور النهائية في الأجل المُحدّد من قبل
رئيس المجلس، ما هي الخطوات القادمة والخطوات المنتظرة؟
يُفترض أن يُعرض بعد ذلك على
الجلسة العامة لمناقشته فصلا فصلا. وإذا حصلت الأغلبية المُطلقة من الأصوات يتمّ
المرور إلى المرحلة الثانية وهي المصادقة عليه بأغلبية الثلثيْن. فإن لم تحصل هذه
الأغلبية في القراءة الثانية، في ذلك الوقت يتمّ اللجوء إلى الاستفتاء. وإذا اقتضى
الحال اللجوء إلى استفتاء الشعب، لابدّ من تعديل للقانون المنظّم للسلط لإدراج
تقنية الاستفتاء فيه.
ولكنّ الاستفتاء
بطبيعة الحال لا يُمكن أن يكون تقنية ديمقراطية حقيقية إلاّ إذا توفّرت فيه جملة من
الشروط الموضوعية. وأهمّها تنظيم حملة تفسيرية تسبق يوم الاستفتاء في اتجاه لا،
وفي اتجاه نعم. يعني يُمكن أن يُجيب الشعب بلا عن المشروع الذي سيُعرض عليه، كما
يُمكن أن يُجيب بنعم. ولكن في صورة الإجابة بلا سيكون الوضع مُختلفا عمّا هو عليه
الآن.
في تلك الحالة،
لابدّ من تنظيم انتخابات جديدة لمجلس وطنيّ تأسيسي. لأنّ ما دام هناك دحض وتفنيد
للتمثيليّة، يُفترض انتخاب مجلس جديد، على غرار ما حصل بالنسبة إلى الجمهورية
الرابعة الفرنسية.
حينما وضعت
الجمعية الوطنية الفرنسية مشروعا أول، عُرض على الاستفتاء وكان الاستفتاء سلبيّا
في شهر ماي من سنة 1946 فتمّ انتخاب أعضاء جمعية وطنية جديدة، ووضعت مشروعا جديدا
وعُرض على الاستفتاء ونال المصادقة من قبل الشعب الفرنسي.
لم نصل بعد إلى
هذه المرحلة، ولكن الاستفتاء كما يُمكن أن يكون أداة لتحقيق الديمقراطية يُمكن أن
يكون أداة شكلية في الواقع لإضفاء مشروعية على جملة من الاختيارات التي تمّت
وحُسمت.
2-
مناقشة الدستور:
لا يُوجد نصّ
قانونيّ في العالم لا يقبل النقاش. ولا يُمكن لأيّ جهة كانت –مهما كانت مشروعيتها-
أن تكون هي صاحبة الحقيقة المطلقة. أيّ نصّ قانونيّ يقبل النقاش، ولابدّ أن يستمع الأعضاء
إلى المناقشات. بطبيعة الحال، لابدّ أن يكون النقاش بنّاء. لابدّ أن يُقدّم مَن
يُناقش البديل الذي يعتقده مُمكنا. ولكن ليس هناك نصّ قانونيّ لا يقبل النقاش، ولا
يطاله النقاش. ولا وجود لدستور أفضل من دستور آخر. المهمّ أن يكون الدستور مُعبّرا
عن الإرادة الحقيقية للشعب.
سؤال:
إذن لماذا كلّ هذه الانتقادات؟
يعني هذه القضية
في الواقع قضية سياسية تحت عباءة الدستور.
الاختيارات التي
تمّت يُمكن أن تكون هناك اختيارات صائبة في نظر البعض، ولكنّها يُمكن أن تكون أيضا
اختيارات خاطئة في نظر البعض الآخر. ولا يُمكن اعتبار النقد بمثابة الحملات
المسعورة. هناك نقد يُوجّه لأيّ نصّ قانونيّ وهذا أمر دارج مألوف تقليديّ بكافة
الدول. في فرنسا حينما يُصدر المجلس الدستوري رأيا أو قرارا يُقابل بنقاش كبير.
حينما يتمّ تعديل الدستور في أيّ دولة أخرى هناك مُن يقبل وهناك مَن يرفض، وهذا أمر
طبيعي. لابدّ أن يرتقي النقاش أيضا إلى مستوى المرحلة التاريخية.
3-
تاريخ الدستور التونسي بين التنظير والتطبيق:
ولكن المشكل في
تونس وفي سائر البلاد العربية هي أنّ الدساتير بوجه عام تُوضع فضلا على المقاس،
تُوضع أيضا كأداة من أدوات الحكم. وهنا أستسمحكم فقط لأذكّر بالتجربة التونسية وهي
تجربة ثريّة مقارنة بعدد من التجارب الأخرى.
·
حينما وُضع الدستور التونسي في سنة 1861 أُضيء قصر باردو
وأُطلقت الشماريخ واُعتُبر بمثابة الفتح العظيم في ذلك الوقت، ولا أعلم مِن أين
أتوا بالشماريخ. وقيل في ذلك الوقت أنّ هذه الشماريخ بمثابة النجوم التي سترجم
الشياطين، ولكن ذهبت النجوم وبقيت الشياطين. لأنّه بمُجرّد أن تمّ تنظيم مظاهرة
للتنديد ببعض المؤسسات وببعض الاختيارات أُلقي القبض على هؤلاء المتظاهرين الذين
خرجوا من جامع الزيتونة مُتوجّهين إلى قصر باردو الذي أُضيء احتفالا بهذا الحدث
العظيم.
·
في سنة 1959 يقع
ختم الدستور من قبل الرئيس الحبيب بورقيبة، هذه جريدة العمل المُؤرّخة في 2 شهر
جوان من سنة 1959 صدرت تحت عنوان: يوم عظيم تتحقّق فيه أمّ الأمانيّ القومية. ولكن
الدستور أيضا تحوّل إلى أداة من أدوات الحكم في سنة 1963 بدأ الاستبداد بعد تحجير
الحزب الشيوعي، وبعد الخلط بين الحزب والدولة.
لو طُبّق دستور
تونس لسنة 1959 -بكلّ التعديلات التي أُدخلت عليه- في فرنسا أو في بريطانيا أو في
الولايات المتّحدة لَما كان أدّى إلى نفس الديكتاتورية. ولو طُبّق الدستور الفرنسي
الحالي أو دستور السويد أو أيّ دستور آخر بالوضع الذي كان قائما، لأدّى إلى نفس
الديكتاتورية. يعني هناك تخوّف، لأنّ الدستور يتحوّل إلى أداة من أدوات الحكم.
4 – دستور
تونس الحديثة على محكّ الواقع:
الدستور يجب أن
تكون وظيفته واضحة: هي تحقيق الحرية ووضع نظام سياسيّ يُحقّق التوازن ويقوم على
التوازن.
الدستور يصير أداة
لإضفاء المشروعية على السلطة الحاكمة، يتحوّل إلى أداة من أدوات الحكم، ويأتي
الاستبداد تحت عباءة الدستور.
أعتقد وأنّنا لم
نفهم بالفعل طبيعة المرحلة التي نعيشها اليوم. نحن نبني بناء تقليديّا بآليات
بائسة بالية، لم تعد تستجيب لمطالب المرحلة. للأسف لم يفهموا رسالة الشباب في
ديسمبر 2010 وجانفي 2011. انتهى دور المركز وانتهى دور القيادات التقليدية التي
تطرح مشاريعها على الشعب كما تطرح المغازات الكبرى بضاعتها في مواسم التخفيض.
يعني المهمّ أن
تنخرط في مشروع الشعب، يعني البناء يجب أن يكون من الأسفل من المحليّ إلى الجهوي
إلى الوطني. ولاحظي أيضا، هذا الحوار الوطني اليوم الذي يُنظّم ويتعثّر، لماذا
يتعثّر؟ لأنّ الأمر يتعلّق بتقسيم السلطة لكلّ واحد منهم أو أو يُريد كلّ واحد
منهم أن يجد نصيبا أو بعضا من هذا النصيب في السلطة القادمة.
اليوم لابدّ أن
نبني بناء مُختلفا عن البناء السابق وبعقليات مُختلفة. والشباب الذي قاد الثورة
بنفسه ولم يقُده أيّ حزب- هو القادر على أن يتولّى بآليات جديدة لو بُني النظام من
مجلس محليّ في كلّ معتمدية، تنبثق عن كلّ هذه المجالس المحليّة مجلس جهويّ في كلّ
ولاية، ومنها تنبثق سلطة وطنية لكان المشهد السياسي مُعبّرا تعبيرا صادقا.
ولكن للأسف اليوم
الشعب التونسي تائه بين القصريْن، تائه بين قصريْ باردو وقرطاج./.
مع تحيات خواطر
وآراء
29-04-2013
.