Pages

Nombre total de pages vues

samedi 24 décembre 2022

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/9


مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/9/ ليلة الفصل بين سنتيْن

قبل الثالثة مساء من ليلة رأس السنة، تقاطر المحتجّون فرادى على مقرّ الاتّحاد الجهوي للشغل ببنزرت وهو المكان الوحيد الذي انتزع حقّه لمثل هذه التجمّعات المساندة لفلسطين أو العراق أو سراييفو أو الصومال. كان المواطن العاديّ يعبر الطريق الرئيسية بالمدينة الموصل للمقرّ في جوّ ثقيل لكنّه هادئ، دون أن يتفطّن للتعزيزات الأمنية المنتشرة في زوايا ومنعرجات الطرق الفرعية القريبة من المقرّ، وخاصّة لتلك القوات البوليسية المستأجِرة أو المغتصِبة لحافلات النقل الجهوية.
في مقرّ الاتحاد، يتجمّع المحتجّون لتبادل آخر المستجدّات ولوضع ملامح فعاليات اليوم. وكمثل الأيام السابقة وحتّى اللاحقة، لم يكن هناك برنامج مسبق يتمّ التحرّك في إطاره. بل أحيانا، كان نشاط الوافدين يقتصر على تناول الأخبار العاجلة القادمة من الجهات ثمّ المغادرة، وذلك بسبب قلّة عدد الحاضرين وغياب التنسيق.

اليوم وبعد صلاة العصر تجاوز العدد المائة شخص من الجنسيْن، ولعلّي كنت أكبر الحاضرين سنّا، أو في المرتبة الثانية. كنتُ في الطابق العلوي لقضاء حاجتي -أعزّكم الله- تحسّبا لأيّ طارئ. فجأة، ودون ظهور أيّة مؤشّرات، ارتفعت الهتافات في بهو المقرّ. نزلتُ جريا، فإذا بالباب قد سُدّ برجال الأمن بالزيّ المدني في محاولة لمنع المُحتجّين من الخروج أمام المقرّ كما وقع في الأيام السابقة. وفعلا تمّ لهم ذلك هذه المرّة. وسرعان ما حاصرت المقرَّ أنواع مختلفة من البوليس.

ويتواصل المدّ والجزر لساعات: يحاول المحتجّون من حين لآخر كسر الحصار أو رجال البوليس مداهمة المقر دون أن يحاول أحد الطرفين تجاوز الخط الأحمر الذي حدّده الطرف الآخر. فمثلا :
* باب صغير بجانب المدخل الرئيسي تمّ فتحه من طرف المحتجّين لبعض الوقت، ثمّ يُغلق تحت أوامر البوليس.
* للمقرّ باب خلفيّ لم يُحاول المُحاصَرون الانفلات منه إلى الخارج، ولا البوليس اقتحامه.
كان الصف الأول من البوليس يتكوّن من أعوان بالزي المدني، بينما أحاط المحتجون أنفسهم بحزام أمني (كوردون) من رجال أقوياء عقلاء، وكلما حصلت مناوشة بين الطرفين إلاّ وتدخّل الحزامان الأمنيان لفض النزاع في أسرع وقت وبأقل خسائر ممكنة /الشريط المصاحب: http://www.youtube.com/watch?v=okKyBEaAdjM

ولم تخلُ الأمسية من طرائف متعددة ومتناقضة، فمثلا: تغيب الشمس وتظلم الدنيا فيصيح من الداخل أحد المُحاصَرين تندّرا: (يا بوليس بالله شوف أذّن المغرب باش نقيموا الصلاة.) أو استعطافا: (يا بوليس راني خوك، ابن علي هو عدوك.) أو استفزازا: (يا بوليس أوه عليك الحجامة تحكم فيك.) كنت في ذلك المساء –مثل بقية الأيام الأخرى- غالبا ما ألمح أحد أصدقائي من الأمن بالزي المدني، فيتجاهل أحدنا الآخر دون أن يُخلّ أحدنا بالواجب الذي حضر من أجله. بل شاهدتُ بأمّ عيني أحد الأعوان يشقّ صفوف البوليس ثم جموع المتظاهرين ليصل إلى أحدنا بالداخل، فيعانقه ثم يقف يتجاذب معه أطراف الحديث وبعدها يستأنف الصديقان "العدوّان" مهمتيْهما.

طال الحصار وكنت أقل الحاضرين شجاعة فقررت المغادرة واضعا مصيري بين يدي الله، وصلت إلى الحزام البوليسي بمساعدة موظّف إداريّ للاتّحاد، فإذا بالأيدي تمتدّ نحوي-لماذا؟- لتساعدني على شق مدارج المقر الغاصّة برجال الأمن. واصلتُ طريقي وسط فرق البوليس –وقد كان من بينهم إناث- ومن حين لآخر كان هذا العون أو ذاك يستوقفني سائلا عن أجواء الاحتجاجات.

مرّت الليلة بسلام، وأصبحنا من الغد على فجر سنة جديدة  

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة 30 / 12 / 2011
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire