Pages

Nombre total de pages vues

mercredi 5 octobre 2022

رأي في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف -2/المولد بين التأصيل الشرعي والعمل التطبيقي


.
رأي في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف -2
ثانيا، المولد بين التأصيل الشرعي والعمل التطبيقي

كنّا خلصنا فـ1ـي إلى أنّ ذكرى المولد النبوي الشريف ليست عيدا وإنّما هي احتفال يجتمع فيه مسلمون قصد الاعتناء والاهتمام بسيرة وأخلاق وآداب محمد صلّى الله عليه وسلّم. وأنّ هذا الاحتفال ليس بدعة ضلالة باعتباره نشاط اجتماعيّ خالص لا طقوس دينية خاصّة به. وهذا ما جعلنا نُدرج الاحتفال بمولده (ص) في باب [من سنّ سنّة حسنة...] لاعتماده وسيلة شريفة لغاية شريفة. وأنهيْنا المقال باستنتاج أنّ القائم بفعل دنيويّ تركه النبيء (ص) -غير معارض لأصل شرعيّ أو دون نهي صريح عنه- لا ينقل ذلك الفعل آليّا إلى خانة التحريم.

وبالرجوع إلى المُعارضين نجد أنّ أدلّة منعهم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تتمحور حول نقطتين اثنتين هما:
1-   الاحتفال بالمولد لم يكن من فعل النبيء (ص) ولا من عمل الصحابة. 2- الاحتفال بالمولد هو تشبّه بالنصارى.
أمّا مؤيّدو الاحتفال فهم لا يعتبرونه فرضا ولا سنّة بل لا يعدّونه أمرا تعبّديّا. وإنّما يرون جواز الاحتفال به فقط، باعتباره نشاط اجتماعيّ دنيويّ خالص بنيّة التقرّب إلى الله، قياسا على الحديث: [أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر].
  
وردّا على قرينتيْ المنع السابقتيْن نقول:
·        في النقطة 2، سجّل القرآن الكريم فرح المسلمين بانتصار النصارى على الفرس المجوس في الآيات الأولى من سورة الروم. وأذن عليه الصلاة والسلام لصحابته بصيام عاشوراء، يوم نجاة موسى من فرعون. وأجاب صلى الله عليه وسلّم السائل عن صيام يوم الإثنين بِـ "ذلك يوم وُلدتُ فيه".
·        وفي النقطة 1، ذكرنا في المقال السابق أمثلة على أنّ ترك النبيء (ص) لفعل دنيويّ من دون أن يكون مقترنا بنهي صريح عن فعله لا يعني تحريمه.

أمّا بخصوص الردّ على حجّة "ترك الصحابة والتابعين الاحتفال بالمولد النبوي" فالأمر بسيط. فهم لم يكونوا في حاجة لمناسبات تُذكّرهم بأيام الله. لقد كانوا يعيشون في بيئته الفاضلة، يسيرون بهديه صلى الله عليه وسلّم، يتحلّون بأخلاقه السمحة. فلمّا بعدت المسافة زمانا ومكانا بين المسلمين وقدوتهم (ص) استوجب اجتماعهم في مناسبات –والمولد من بينها- لاستقراء سيرته (ص) قصد تهذيب الأنفس وإجلاء الصدإ عن القلوب. ولا يختلف اثنان على تحقيق مثل هذه الأهداف عندما يكون في تواريخ حدوثها تكون أكثر وقعا في النفس وأشدّ تأثيرا على المرء (كـ مولده (ص) وهجرته ووفاته وغزواته...).

وبالعودة لحياتنا العصرية - ولله المثل الأعلى- نحن لا نصنع عيدا أو ذكرى لأمر ما إلاّ يوم فقدانه. انظر متى أصبحت الشعوب تحتفل بعيد الأمّ والطفل والعامل...؟ ومتى تمّ إحداث يوم للاهتمام بالمسنّين والبيئة والتراث...؟ فمثلا، هل أنّ الاحتفال بيوم الأرض الفلسطيني في العقود الأخيرة نقصد منه أنّنا أكثر حبّا من أجدادنا لبيت المقدس، أم أنّها دعوة للتشبّث بحقّنا في مسرى نبيّنا (ص) وغزّة الشافعي؟
لذلك نرى –والله أعلم- أنّ عدم اعتراض سلفنا الصالح على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف طيلة الشطر الأول من الحقبة الإسلامية، أي إلى ظهور شيخ الإسلام ابن تيمية بعد المائة السابعة للهجرة، كان من باب "وذكّرهم بأيام الله".           

إنّ كلّ ما ذكرناه في المقاليْن لا يُبرّر ما تشهده بعض محافل المولد النبويّ من سلوكات منافية للأخلاق وأعمال مخلّة بأصول الدين، أصول تمّ الإجماع عليها لا أن تكون من باب الاجتهادات الشخصية. لذا وجب التنبيه لبعض هذه السلبيات قصد إصلاحها، لا العمل على إسقاط جوهر الفعل بحدّ ذاته.  

بقيت رسالة لفقهاء البلاط وبطانة السلطان سنوردها لاحقا في شكل برقيّ.

والله أعلم... يتبع بإذن الله
والسلام، عثمان الدرويش
مسؤولية وحقوق هذه المادّة لصاحبها


رابط الجزء الأول من المقال: http://penseesopinions.blogspot.com/2013/01/blog-post_19.html
20 / 01 /2013
08 / 03 / 1434 
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire