Pages

Nombre total de pages vues

dimanche 15 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/26/ يوم الحسم // محلّيّا

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/26/ يوم الحسم // محلّيّا

قلنا إنّ البلدة قد تعرّضت ليلة 13/12 إلى هجوم أجنبيّ –كما تمّ الترويج له بين المتساكنين-. الهجوم طال مؤسسات حكومية دون غيرها. فمثلا تمّ حرق ونهب البنك الوطني الفلاحي (حكومي)، ولم يُصب بنك"البيات" (خاص) إلى جانبه بأيّ ضرر ولو خارجي. وتمّ حرق دار التجمّع (وكانت تحت حراسة منتسبيها) لحظة مداهمتها. في حين لم يقع المساس بالمكتبة العمومية أسفل مقرّ التجمّع.

وفي الليلة الموالية 14/13 وبعد تأمين البلدة لدى مجموعات فتية قويّة شجاعة، احترق الجناح الذي كان في الليلة السابقة تحت حراسة البوليس –كما ذكرنا سابقا- وبه مركز الشرطة والقباضة المالية. ثمّ اختار " الثوار" أهدافهم. فتمّ حرق أو نهب دكان حمّاص ومكتبة خاصّة لبيع المواد المدرسية وجزّار ومغازة خاصّة لبيع الآلات الالكترونية. ثمّ قفز الحريق إلى أقصى البلدة لتشتعل النيران في مكتب للتشغيل ومركز للحرس. والحمد لله أنّ البلدية (الصورة المصاحبة) وجميع المؤسسات التعليمية والصحيّة نجت من الكارثة.
وفي الغد، لم تعد تسمع من أحد أنّ مَن قام بالحرق والنهب هم الغزاة القادمين من الخارج. ولكن كذلك، لم يستطع أحد توجيه التهمة لشخص بعينه.

اليوم هو 14 جانفي 2011، أصبح الناس خائفين من تدهور الحالة أكثر، فتمتد عمليات الحرق والنهب إلى المنازل الآهلة بالسكّان. وبعد حضوري صباح اليوم، مسيرة جابت شوارع بنزرت، وبعد صلاة جمعة كانت خطبة إمامها في واد ومُجريات الأحداث في واد آخر، ومع اقتراب وقت صلاة العصر قصدتُ الجامع المركزي. وما إن هممت بالدخول حتّى استوقفني اثنان من المصلّين.
سألني أحدهما: بعد حرائق الليلتيْن السابقتيْن، كيف سيكون التصرّف هذه الليلة؟
أجبته: الحلّ الوحيد هو المسجد. فبعد احتراق المقرّات الحكومية لم يبق سوى الجامع كنقطة تجمّع ومراقبة وتبادل للرأي.
ردّ عليّ السائل: تقدّم للمحراب وأعلم الحاضرين بهذا.
قلتُ: ليكن ذلك عن طريق إمام الجامع. فاذهب واستأذنه.
تكلّم من كان لجوارنا قائلا: البارحة، وقبل الحرائق الأخيرة طلب منه (ز... ..حـ...) و (تـ.... ..بـ....) مخاطبة الناس ودعوتهم لليقظة فرفض بحجّة أن لا سلطة لديه حتى يفعل ذلك.
فأقنعتُ مخاطبي بإعادة المحاولة ثانية. وفعلا تقدّم المصلّي من الإمام وهمس له بكلام. قام بعده إمام الجامع المركزي بالعالية -السياسي الفقيه- ليبدأ خطبة ديبلوماسية ( بحيث... وعليه... وكنت قد...) نفد صبري فقفزت صائحا: [ طلبنا منك أن تُعلم الحاضرين بأنّ المسجد سيبقى مفتوحا ليظلّ نقطة وصل ومراقبة ولم نطلب منك إلقاء قصيدة شعر. ] هاج الإمام وماج. وارتفعت الأصوات بين مُهدّئ ومُهدّد. فجريمة تدخّلي في المسجد غطّت على جرائم الحرق والنهب لليوميْن السابقيْن. صحتُ بأعلى صوتي [ الليلة بعد صلاة العشاء، لا يُغادر أحد الجامع، وليكن ما يكون. ] والحمد لله على ما كان. ومِن لحظتها ظلّ الجامع مفتوحا على مدار الساعة، -طيلة الساعات المُتبقّية لحكم ابن علي- ثم تواصل الأمر على تلك الحالة ولأشهر عديدة.

 أمّا خارج المسجد، فقد تجمّع تلك العشيّة الشباب // الشريط المصاحب
 وتناصحوا بالمحافظة على أملاك الغير، متوعّدين المجرمين بالموت، وهذه المرّة بقطع النظر أكان الأعداء من داخل البلدة أو من خارجها. ولكن هروب ابن علي وكلمة مُعوّضه الغنوشي، وانتشار أخبار القنّاصة والفارين من السجون جعل جميع السكان يتركون منازلهم ويبيتون ليلتهم في الشارع.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 15 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

samedi 14 janvier 2023

دربي العاصمة ليوم 14 جانفي 2023


دربي العاصمة ليوم 14 جانفي 2023

هذا موقفي كمواطن ليس مُحايدا، وإنّما منحاز، نعم أنا منحاز لنفسي: أي أنا ضدّ حاكم ما بعد 25 جويلية 2021، وضدّ حاكم ما بعد 14 جانفي 2011، وضدّ حاكم ما قبل 14 جانفي 2011.

دارت اليوم 14 جانفي 2023 بملعب الحبيب بورقيبة مقابلة ودّية بين حاكم اليوم من جهة وحُكُّام الأمس وحُكّام أول أمس من جهة أخرى. انتهت في جو احتفالي بتعادل الطرفيْن. وهذه النتيجة تُعتبر مُشرفة لمعارضة اليوم وسلطة البارحة، خاصّة أنّها لعبت خارج ميدانها وجمّعت عناصرها من فرق مُختلفة. وفي انتظار مقابلة الكأس –حيث لا مجال فيها للتعادل-، هذه تحياتي.

والسلام، عثمان الدرويش

14 / 01 / 2023

مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها 

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/25/ يوم الحسم

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/25/ يوم الحسم

اليوم هو الجمعة 14 جانفي 2011 والحدث الأهمّ الذي كان الشعب يرصده هو ردود الفعل على خطاب ابن علي ليلة البارحة – وقد جاءت في أغلبيتها الساحقة رافضة له شكلا ومضمونا-. أمّا الحدث الثاني في الأهمية هو انتظار مدى نجاح الإضراب العام الذي دعا إليه اتّحاد الشغل عن ولاية تونس، والذي لاقى قبولا منقطع النظير. إضافة لما ذكرنا، كان تحريض الفايس بوك الجماهير على العصيان المدني، وتزايد عمليات القتل والقنص.  هذه العوامل الأربعة مجتمعة حوّلت الانتفاضة إلى مشهد ثوريّ مبتكر أصيل –أي غير مستنسخ-. 

يومها أعلنت وسائل الإعلام الرسمية أنّ ابن علي قد أقال حكومة محمد الغنوشي، وأضاف لقرار حظر الجولان إعلان حالة الطوارئ في البلاد. ولكن ما لم يُدركه ابن علي هو ما كنتُ أعتقده شخصيا ولعقود سابقة، وحسب تجارب متواضعة في ظروف أقلّ تعقيدا من التي نحن بصددها هي: [ مِن السهل على الإنسان الانخراط في مظاهرة، ولكن يصعب عليه كثيرا الانسحاب منها. أي إنّ الإنسان بمجرّد دخوله مظاهرة بمحض إرادته الشخصية، يُصبح مُجبرا، تحت إرادة الكتلة الجماهيرية ] وكان مسرح الأحداث -اليوم- شارع الحبيب بورقيبة، حيث مقرّ وزارة الداخلية // الصورة المصاحبة

في بنزرت لم يكن المشهد مُغايرا. فقد عرفت المدينة مسيرة ضخمة هذا الصباح. هي ثاني مسيرة تجوب الشوارع بعد تبخّر بوليس المدينة. وأذكر يومها كيف شقّ صفوف المتظاهرين شابّان "ميليشيا" (من بلطجية ابن علي، حسب التعبير المصري). كان الأول يُزمجر ويُرعد، والثاني يتبعه في صمت. والغريب، أن لا أحد استطاع –أو حاول- التصدّي له. لقد كان حالنا كحال قطيع من الخرفان يشقّه ذئب مفترس.

أرخى الليل ستار الظلم على البلاد. فلا حصيلة لضحايا اليوم، ولا تنازلات للحاكم بأمره. وانتشرت الإشاعات والإشاعات المضادّة من مصادر رسمية وشعبية. وقبيل الساعة الثامنة، يرد على قناة الجزيرة خبر طيران ابن علي نحو أوروبا. فيطير الشعب فرحا. ثمّ تتضارب الأنباء، ويزداد الجوّ اضطرابا: لقد فرّ مساجين حبس كذا وكذا. لقد انتشرت في البلاد عصابات مسلّحة على متن سيارات كراء. لقد تمّ قنص مواطن، فآخر، ثمّ آخر... حتى خرج علينا الوزير الأول لنظام ابن علي.

 خرج محمد الغنوشي عبر تسجيل متلفز يتوسّط كلاّ من فؤاد المبزّع وعبد الله قلال رئيسيْ مجلسيْ النواب والمستشارين. الخبر الذي أُعِدّ في عجل، وقرأه الغنوشي في ارتباك ينصّ على أنّ ابن علي قد كلّف قارئ البرقية بتولّي مهام رئيس الدولة مؤقّتا –أي لأجل غير معلن-. الشعب لم يكترث، ولم يكن يهمّه لحظتها فحوى الخطاب.

 فالمهمّ أنّ ابن علي قد رحل // الشريط المصاحب

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 14 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/24/ عاجل في انتظار التفصيل

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/24/  عاجل في انتظار التفصيل 

تذكير للمستأثرين الجدد بالثورة

علمت للتوّ أنّ فعاليات ثقافية تُقام محلّيّا (14 / 01 / 2012) للاحتفال والتأريخ لثورة ديسمبر2010/جانفي2011
وأنّ مسيرة ستجوب الشوارع إحياء لذكرى الثورة.
من سيخرج في هذه المسيرة؟
هل تمّ مثلا، استدعاء اليسار الذي ساهم في الثورة منذ بداياتها -وإن كان بعدد لايتجاوز أصابع اليد الواحدة-؟
أمّا الراكبون اليوم فلم يخرج منهم أحد سوى شابّ دفعه الحماس للانضمام في اليومين الأخيرين من سلطة ابن علي.

لذلك أردت -ولو عن بعد- التذكير بهذا، ومشاركة الساهرين على المهرجان بهذا الفيديو، والذي لم أكن أنوي تنزيله من قبل. وهو يصوّر الأحداث التي كنتُ قد سردتها بمناسبة 13 جانفي 2011.

وسأعود بإذن الله للموضوع قريبا
هذه فقط وثيقة أولية علّها تُفيد المستنهضين الجدد 
http://www.youtube.com/watch?v=ywf2QTKOgGQ

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 14 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/23// محلّيّا

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/23/ رابع أيام الحسم الخمسة// محلّيّا

لقد تواصلت –كامل يوم الخميس 13 جانفي 2011 اليوم قبل الأخير لرحيل ابن علي- زيارات السكّان باختلاف ألوانهم وأعمارهم للمباني المحترقة: للوقوف على حقيقة ما يحدث، أو التقاط الصور التذكارية أو جمع ما تبعثر من الأوراق والوثائق. أغلب الموظّفين والعمال لم يلتحقوا بأعمالهم الحكومية أو الحرّة. فلا أحد يستطيع التكّهن بقادم الأخبار. الجميع في حيرة، والكلّ يُصرّ على أنّ مُخرّبي البارحة ليسوا من سكان البلدة، بل هم أجانب عنها.

انتصف النهار ولا حلّ في الأفق. وبعد صلاة العصر، علمتُ أنّ بعض المتطوّعين من أهل البلدة -ثمّ شاهدت ذلك على شريط فايس بوكيّ- قد اجتمعوا بالشباب، وأحاطوهم علما بالخطر القادم من الخارج مع نزول الليل، ودعوهم لحراسة مداخل المدينة. وكحالة الشباب دائما فقد أسرعوا في جوّ احتفالي بهيج، مُتأبّطين العِصيّ والأسلحة البيضاء نحو مشارف البلدة في انتظار الغزاة. الجوّ شديد التوتّر، وعدم انضباط شباب الحراسة زاده تأزّما. لم يكونوا مُدركين لخطورة الوضع. كنتُ كغيري من الأهالي أسير هائما دون وجهة. أقف زمنا على هذه الثغرة، ثمّ أتحوّل إلى الأخرى. أصعد دار التجمّع المحترق لأطّلع على آخر الاستعدادات ثمّ أعود سائحا بين الطرقات.

أظلمت الدنيا، وأقفرت الشوارع والأزقّة. لقد ترك الأهالي المدينة في أياد أمينة لأشجع وأقوى الشبّان. وعادوا إلى منازلهم في اطمئنان، أو أنّهم أقنعوا أنفسهم بذلك. مرّ وقت قصير أو طويل لا يهمّ. فما دام المستقبل صار مجهولا، لم يعد الوقت يعني الكثير. فجأة، سمعت ضجيجا أخذ يتّضح شيئا فشيئا. صعدت السطح. فإذا سماء البلدة تغشاها سحب الدخان، وألسنة اللهب ترتفع إلى أعلى مع تصاعد الصياح والتكسير. ماذا يحدث؟ هل احتلّ الغزاة المدينة؟ وأين الحرّاس المؤتمَنون؟ 

الخطر يتقدّم سريعا باتّجاهي –أو هكذا خُيّل لي-. نزلتُ مسرعا خبّأتُ ما خفّ حمله وغلا ثمنه. أيقظتُ أفراد أسرتي، إلاّ قريبة مريضة تجاوزت الثمانين من عمرها، تركناها لقدرها. وأسرعنا نحن لقدرنا على السطح. ازداد في الخارج الصياح والدخان واللهيب، وازداد معها في الداخل الخوف والحزن والغضب. أشبعت ابن علي والحاكم والشباب سبّا وشتما. ثمّ عاد الضجيج ليبتعد قليلا قليلا. وعندها عادت إليّ شجاعتي. أخذتُ عصاي وخرجتُ أستطلع الأحداث مُقتفيا أثار المُجرمين. وعلى رأس الطريق، وجدت أمثالي قد خرجوا هم أيضا. وعلمتُ منهم أنّ أحد أثرياء الحومة قد رمى لِـ " الثوار " لفّة من المال، اختلف الحاضرون حول مبلغها. فعادوا أدراجهم مكتفين بما حصلوا عليه ليلتها. واصلتُ طريقي، وواصلت الاستماع لحكايات كثيرة ومتنوّعة، ليس هذا مجال سردها. باختصار شديد، لقد وجدت قلب البلدة بعد زحف "بني علي" حطاما// الشريط المصاحب
 فالبارحة، وعندما كان العدوان خارجيا -كما اعتقدنا-، شبّت الحرائق في مقرّات حكومية: أمنية وحزبية ومالية وإدارية. وهذا شيء نتفهّمه، بل نراه ضروريا في حالة استثنائية كالتي نعيشها. أمّا اليوم، فقد طال النهب والتخريب محلات للخواص كـ: مغازة للآلات الالكترونية ومكتبة لبيع المواد المدرسية وجزّار وحمّاص، واحترقت في هذه الليلة بعد كلّ الاستعدادات مكتبة عمومية، ومكتب تشغيل وقباضة مالية//الصورة المصاحبة.

وقد أعود لأحداث هذه الليلة بالذات في وقت آخر بحول الله.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش     
نسخة 14 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

vendredi 13 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/22

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/22/ رابع أيام الحسم الخمسة

أهمّ ما ميّز 13 جانفي 2011 اليوم قبل الأخير لرحيل ابن علي

·        الانتفاضة الشعبية تعمّ كلّ المناطق
·        عمليات النهب والتخريب تتزايد في البلاد
·        الشرطة تنسحب من كلّ المدن والقرى
·        عمليات القنص ترتفع بصفة ملحوظة
·        ابن علي يُلقي خطابه الثالث والأخير باللهجة الدارجة: ومن ( 1- بكلّ حزم ) فـ ( 2- سيُحاسبون ) إلى ( 3- غلطوني )
·         شريحة من الشعب تخرج في مسيرات مساندة لابن علي
·        لطفي العبدلي –مع تحفّظنا على سيّئاته الكثيرة- يطلق عبارة( ديقاج )
·        دعوات التحريض على العصيان المدني تكتسح الفايس بوك بعد رفع الحاكم التحجير عن اليوتوب// الشريط المصاحب http://www.youtube.com/watch?v=nyaW3TNG2NQ

·        ولاية بنزرت وبعض ولايات أخرى تُعلن الإضراب العام//الشريط المصاحب 
http://www.youtube.com/watch?v=rcRfA_ysTJk

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة 13 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

jeudi 12 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/21

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/21/ ثالث أيام الحسم الخمسة// محلّيّا

اليوم  هو الأربعاء 12 جانفي 2011 . حديث الساعة هو حديث الثورة. ولا مؤشّرات تدلّ على اقتراب الحريق من بلدة العالية. ولكن أعمال الحرق التي طالت مدينة بنزرت ومدن أخرى البارحة 11 جانفي جعلت رئيس البلدية -المسؤول الإداري الأول- بعد فرار معتمد الجهة يتّصل -حسب من أثق بروايته- بوالي الجهة طالبا حماية الجيش، ولكنّ المسؤول الجهوي أعلمه بأن لا صلاحيات لديه تُمكّنه من ذلك. ومضى النهار ثقيلا ثقيلا. كيف لا يكون ذلك، ويوم الغد 14 جانفي هو يوم دخول الليالي السود حسب المصطلح الفلاحي.

أظلمت الدنيا، وعمّ البلدة إحساس غريب. حديث يتمّ تداوله عن قدوم "عصابة" من بلدة مجاورة لإحراق الأخضر واليابس. مجموعات من الشباب منتشرون في حلقات على طول الشارع الرئيسي يتبادلون الأحاديث والفكاهات. غير أنّ المارّ لا يستطيع تبيّن ما يدور بينهم. جبتُ الطريق الرئيسية ذهابا وإيابا، متسلّحا بعصا، حتى ارتفع أذان صلاة العشاء. دخلت الجامع المركزيّ كما تحلو لصاحبه التسمية. في تلك الأثناء كان يبلغ مسمعي صراخ الشباب وتصفيرهم وتصفيقهم. الجوّ احتفاليّ ولا يُنبئ بشرّ. انتهت الصلاة، وخرجتُ لأجد بضعة تجمّعيين أكثرهم من المخضرمين وقد تحلّقوا أمام مقرّهم بِنيّة الحراسة. اقتربت أتجاذب الحديث مع بعضهم -فكلّهم أصدقاء-. وقبل انصرافي، اقترحتُ عليهم التواري عن الأنظار حتّى لا يكونوا سببا في استفزاز الشباب. ثمّ واصلت طريقي، وقد اصطحبني أحدهم. سرنا مع الشارع الطويل الطويل. عدد الشبان تناقص لدرجة كبيرة. لم يبق إلاّ سمّار الليالي –أو هكذا بدا لي-. مرّ وقت ولا شيء يوحي بالخطر. فعدتُ إلى منزلي.

  فجأة، وبعد مضيّ ساعة تقريبا اتّصل بي قريب من العاصمة ليسألني عمّا يحدث عندنا. فطمأنته راويا له مشاهداتي، فإذا به يُعلمني بأنّ البلدة قد احترقت: مركز البريد احترق، والبنك احترق، ومستودع البلدية احترق، ووو. كيف تمّ ذلك، وأنا عائد للتوّ من هناك؟ وكيف عرف مَن هو متواجد في العاصمة كلّ ذلك؟ إنّه الفايس بوك// الشريط المصاحب
 كيف لي أن أُصدّق أخبارا كنت شاهدا على عكسها. فعلا إنّ الفايس بوك لا يعرف الكذب "تلك المدّة". لقد احترق ما احترق، وفي جوّ احتفاليّ كذلك. وكلّ ما قام به رجال الشرطة تلك الليلة مع التعزيزات الواصلة هو حماية جناح يضمّ قباضة مالية ومركزيْن للشرطة والحرس. واكتفوا بإطلاق الغاز المُسيل للدموع كلّما حاول هؤلاء الاقتراب من عرينهم.

ومع طلوع الفجر، اتّضح "المشهد الثوريّ" أكثر. وجاء من أقصى البلاد "وليّ أمرها" ولم يكن هو –أو غيره- يعلم أنّ ولايته قد أشرفت على نهايتها. جاء محفوفا بأشخاص غرباء جدّا، مُحترمين جدّا ليُعاينوا الأضرار، أو ربما لاستقاء معلومات قد تُفيدهم في مستقبل الأيام. والغريب، أن يشهد ذلك اليوم 13 جانفي إخلاء حرس المرور لمركزهم، وتسليم مفاتيحه لصاحب البناية الذي كان قد طالبهم، قضائيا، ومن زمان باسترجاع عقاره.

وبعد كلّ هذا، هل انتهى مشهد "الحرق الثوري"؟ لا، فقد شهدت البلدة فصلا آخر ليلة 14/13جانفي.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة 13 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

mercredi 11 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/20

.  
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/20/ ثالث أيام الحسم الخمسة

هذا اليوم هو يوم الأربعاء 12 جانفي 2011 لم يعد أحد يذكر بطالة الجامعيين ولا غلو المعيشة ولا بعث المشاريع. فلا حديث إلاّ عن عمليات القنص ومناطق التوتّر. طبعا لا أحد يذكر ما يجري من تخريب أو سرقة –مثل حرق ونهب مونوبري بنزرت// الشريط المصاحب- ربما كي لا تنتقل العدوى من منطقة إلى أخرى
http://www.youtube.com/watch?v=qR8XZzL7mgQ
واليوم دخلت على خط الانتفاضة جهات جديدة كـالمناطق المُرفّهة جدّا والمُعدمة جدّا في أحواز العاصمة ودعوة حزب الـ ب.د.ب لحكومة إنقاذ وطني.
 
كما شهد هذا اليوم إقالة ابن علي لمستشاريْه عبد العزيز بن ضياء وعبد الله قلال وتعيين وزير جديد للداخلية أحمد فريعة مكان (رفيق بلحاج قاسم). والتقى ابن علي بعبد السلام جراد الأمين العام لاتّحاد الشغل. وتمّ إعلان حظر التجوال في ولايات تونس الكبرى ونشر الجيش في بعض المناطق لحماية المباني الحكومية والمراكز الحساسة. وحتّى في المنطقة الواحدة فإنّك تجد الجيش يحرس بنكا دون بنك، أو محطّة بيع بنزين دون أخرى.

وفي بنزرت، خرج المتظاهرون إلى الشوارع واحتكّوا برجال الأمن فكانت القنابل المسيلة للدموع تسقط على هذا الجانب والحجارة على الجانب الآخر في جو خانق ولكنّه احتفالي: فالمتظاهرون كانوا يدركون النقطة غير المسموح بتجاوزها والأمن كان يكتفي بإخلاء الشارع الرئيسي دون ملاحقة المتظاهرين عند احتمائهم بالجيش (الصورة المصاحبة)، أو فرارهم للأنهج الجانبية. وكثيرا ما كان المنتفضون يمرّون بقوات الجيش متبادلين معهم التحية بل حتى العناق والورود. فإذا تحوّلت المسيرة إلى أعمال حرق ونهب من طرف البعض تراجع أكثر المحتجين منسحبين من الساحة، وقد انزوى البعض منهم إلى طرف الشارع مراقبا أو مصوّرا أو معلّقا على مشهد.

 عجلة الأحداث تدور بسرعة، ولا أحد يعرف ما يُخبِّئه القدر. 

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة 12 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

.

lundi 9 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/19

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/19/ ثاني أيام الحسم الخمسة

وصل بنا الحديث في أول أيام الحسم (الإثنين 10 جانفي 2011) إلى قرار الاتحاد العام التونسي للشغل عدم الدعوة إلى الإضراب العام، وأوكل الأمر للاتّحادات الجهوية لاتّخاذ القرارات المناسبة في الموضوع. فكان أوّل الفاعلين الاتّحاد الجهوي بالقصرين. وتمّ الاعتداء من طرف مجهولين وقتها على المقرّ وإيقاف أعضاء مكتبه التنفيذي.

 وفي نفس الليلة ألقى ابن علي خطابه الثاني –وهو واقف هذه المرّة- فهدّد وتوعّد العصابات المأجورة الملثّمة. ولكنّه كذلك طرح العديد من برامج التنمية والتشغيل. وأهم ما جاء فيه أنّه سيُشغّل 300 ألف عاطل عن العمل في ظرف سنة، وإعطاء أوامر بإطلاق حرية الإعلام. وفعلا ليلتها وبعد ساعة فقط، لم يعد مُستعمِل الانترنات بحاجة إلى (البروكسي) للإبحار. وأذكر أنّي تلقّيت ليلتها أكثر من مكالمة هاتفية تُعبّر عن فرحتها بهذا "الإنجاز العظيم". وخرج عبر وسائل الإعلام "حكماء الأمّة" يُمجّدون ويشرحون للعامّة أهمّية الإجراءات التي اتّخذها "سيادته". وبتنا ليلة شبيهة بليلة خطاب ابن علي الأول، نتساءل: هل نجح ابن علي في نزع فتيل الأزمة؟

وبظهور تباشير الصباح، بانت الحقيقة للجميع. فالانتفاضة ازداد لهيبها في مدن الداخل وأصبحنا نتداول أسماء جديدة: لقد قام بوليس ابن علي بعديد المداهمات وعمليات القنص بحيّ الزهور بالقصرين وحيّ النور بقفصة وغيرهما. وتمّ تعليق الدراسة في كامل تراب البلاد //الشريط المصاحب: http://www.youtube.com/watch?v=zEd8lCwEl1c
 وأعلن عن منع الجولان في العاصمة مع نزول الجيش لحماية الأماكن الحسّاسة //الصورة المصاحبة.

وفي نفس الوقت حاول رجال الإعلام والسياسة مساعدة النظام على تجاوز الأزمة: استدعت الخارجية التونسية السفير الأمريكي لتحتجّ على تصريح أظهر شيئا من التفهم الأمريكي للأزمة الدائرة. –طبعا إذا استثنينا التصريح المبكّر لوزيرة الخارجية الفرنسية المساند لابن علي، وقد تطرّقنا له في موضعه-.
كما بدأت اليوم 10 جانفي 2011 مفاوضات وزارة التربية مع نقابة التعليم حول مسائل قديمة. 
فقط لتذكير المُستنهضين الجدد، نُشير إلى أنّ العلاقة بين نقابة التعليم والسلطة -وقتها- كانت مُتوتّرة، وهذا رابط بلاغ في 10/12/2010 بقرار إضراب في التعليم الابتدائي يوم الأربعاء 26 جانفي 2011. طبعا كان هذا وقت الديكتاتور ابن علي، وقبل اندلاع شرارة الاحتجاجات 17/12/2010: https://www.facebook.com/photo.php?v=699003736806350&l=6226717514443145633


وهذا رابط آخر لنفس قرار الإضراب المُنزّل في 12/12/2010  بصفحة  المناضل النقابي المرحوم محمد العيادي المتوفى جانفي 2012: https://www.facebook.com/ayadi.libre/posts/138289319557628?stream_ref=10
وطار برهان بسيس إلى الاتّجاه المعاكس بقطر. وتصالح النظام مع قناة الجزيرة، فأطلّ من خلالها أكثر من وزير مُدافعا عن ابن علي و"سياسته الرشيدة". وخرج علينا صخر الماطري من فرنسا -على ما نذكر- مُتبرّعا بنسبة كذا من كذا لتنمية البلاد. وعبّر رجال أعمال عن استعدادهم لبعث مشاريع سريعة في الجهات المحرومة.

وكان الغائب الوحيد في الساحة هو حزب التجّمع الحاكم. فلا أثر لحدّ هذا اليوم للتجمّع والتجمّعيين.  ولكن لا أحد كان بإمكانه أن يتنبّأ لِما ستؤول إليه الأمور بعد أسبوع أو يوم، أو حتّى بعد ساعة. فالأحداث كانت تتصاعد بسرعة كبيرة. إنّها الانتفاضة.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة 11 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

.

samedi 7 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/18

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث في تونس/18/ كواليس أول أيام الحسم الخمسة

يبدو أنّ كلّما اقتربت هذه المقاربة الذاتية المتواضعة من الزمن الحاضر كلّما ارتفعت الحرارة في كواليس هذا الفضاء الافتراضي واشتدّ لهيبها على أرض الواقع. لذلك رأيت التوقّف هنا في الـ18ـ عند بعض النقاط ولو بإشارات خاطفة.
بداية هذه المقدّمة المنزّلة في 1 ودون تعقيب:[ هذه المقاربة هي وجهة نظر اعتمدت المعاينة الميدانية للفعل الثوري وبالتالي فهي لا تخلو من انطباعات ذاتية، ومواقف شخصية. غير أنّها ارتكزت على ميثاق شرف، هو إشهاد الله على صدق أحداثها.
هي لا تستجيب لشروط الدراسة العلمية ولا ترقى إلى درجة الوثيقة التاريخية وإنّما هي ومضات تكشف جوانب من المشهد الثوري بإنطاق الزوايا الصامتة فيه.
هي مساهمة سردية – معطياتها متناسقة أحيانا، متنافرة أحيانا أخرى- لضخّ رأس مال رمزيّ يُساعد على ترميم الذاكرة الجماعية من جهة، ويُخلّصها من هيمنة طرفيْن أساسيْن [أحدهما بسيط(ديني)، والثاني مركّب(عَلماني-عَولمي)] متصارعيْن لبناء ذاكرة مُسلّحة بإسمنت الإيديولوجيا. والله وليّ التوفيق ] أعتقد أنّ هذا التعريف قد تضمّن الإجابة على بعض الأسئلة.

  كـــ: هل أنت بصدد تدوين وثائق تاريخية أم تلميع صورة الاتّحاد العام التونسي للشغل؟ لماذا أهملت أحداثا هامّة –حسب السائل طبعا-؟ لِمَ كلّ هذا التركيز على دور الاتّحاد وهو لم يكن حاضنة للاحتجاجات في بداياتها، وإنّما التحق بها مع بقية مكوّنات المجتمع المدني وفي الوقت نفسه، بل إنّ احتجاجات المحامين قد سبقت تحرّك النقابيين؟

بقي سؤالان اثنان يحتاجان مزيد التوضيح.
الأول:لماذا جاءت (المينياتير) أي واجهة الفيديو المصاحب تحمل صورتك الشخصية؟
والثاني:لماذا خصّصت حزب (ب.د.ب) بالإسم في أكثر من موضع دون أحزاب أخرى كانت ضمن المحتجّين في ساحة محمد علي وداخل المقرّات الجهوية للاتّحاد؟
   
بداية، أنا –بفعلي هذا- لم أكن أبحث عن منصب أو شهرة. ولم أسع في هذا المنهج من قبل، ولا مستقبلا. ولم ولن أنخرط في أيّ عمل صلب هيكل حكومي أو غير حكومي، سياسي، حزبي أو اجتماعي. كنت معلّما وسأبقى، قبلت منذ يومي الأول في المهنة أن يُقتطع من مرتبي أو أدفع معلوميْ انخراطي في تعاونية التأمين للتعليم، والاتّحاد العام التونسي للشغل. ثمّ انضاف لهما منذ عقد ونصف العقد الأخيرين معلوم انخراطي في الشعبة المهنية للتجمّع.
وبالتالي فأنا مستقلّ تماما، وسأبقى غير تابع لأيّة جهة. وإن كانت ميولاتي إسلامية-قومية.

أمّا بخصوص التوجّهات المشاركة في فعاليات الاتّحاد. فلم يكن بارزا فيها إلاّ (ب.د.ب) وقد عبرت عن ذلك سابقا بعبارة "زواج الـ(ب.د.ب) المعلن بالاتّحاد". إضافة لذلك فإنّ لافتات الأحزاب والمنظّمات كانت غائبة تماما حتّى بعد 14 جانفي 2011. والصورة الوحيدة التي رأيتها هي صورة تشي جيفارا وقد رُفعت بعد أن أصبحت المسيرات تجوب الشوارع.

ملاحظة: اعتقدت أنّ الشعارات التي هتف بها المتظاهرون وكتبتها في الـ17ـ  توحي بانتماءات أصحابها، وبالتالي فهي لا تحتاج منّي مزيد التوضيح، فمثلا:

·        حريّات حريّات، لا رئاسة مدى الحياة = (ب.د.ب)
·        صف واحد في النضال، تلامذة وطلبة وعمال= اليسار الشيوعي
·        يا شهيد ارتاح ارتاح، شعبك ماض في الكفاح= القومي العربي
·        بالروح بالدم، نفديك يا شهيد= اليمين الإسلامي

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش
نسخة 10 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.