.
شظايا
الثورة تُصيب –مُجدّدا- وقتيْ إمساك الصائم وأذان الصبح (الفجر)
مقاربة اجتهادية لا تُلزم إلاّ صاحبها
الوضعية الحالية:
وصف
ساعة الاختلاف من الثالثة ليلا إلى الرابعة صباحا، وهي الساعة الفاصلة بين
الفجريْن الكاذب والصادق: فبعد هدوء الليل وبعد مرور عشرين دقيقة من الساعة
الثالثة ليلا، تنبعث تراتيل قرآنية من مكبّرات الصوت من مساجد مختلفة وفي أوقات
متلاحقة، وأحيانا متضاربة ناتجة عن أعطال فنيّة خارجة عن نطاق المسؤولين. يستمرّ
بثّ تسجيلات قرّاء القرآن الكريم حواليْ ربع الساعة، ثمّ تنطفئ أنوار الصوامع في
أوقات متقاربة –إلاّ صومعة الجامع العتيق- ويتوقّف معها سماع التراتيل القرآنية.
ويُخيّم على مدينة العالية سكون عام لمدّة تزيد على العشر دقائق بقليل. وبعدها
يرتفع الأذان من نحو أربعة أو خمسة مصادر. ثمّ يعمّ السكونُ البلدةَ من جديد وكذلك
لمدّة قد تتجاوز العشر دقائق بقليل. ثمّ تنبعث داخل المساجد وفي أوقات متقاربة
أصوات الإقامة للصلاة، هذه الأصوات يسمعها أجوار تلك المساجد والزوايا على أقصى
تقدير. ولكن، غالبا ما تتزامن إقامة صلاة الصبح (الفجر) مع صوت أذان جديد من مكبّر
صوت الجامع العتيق، والذي تظلّ أنوار صومعته مُضيئة إلى هذه اللحظة (أي مُتأخّرة عن
باقي المساجد بحوالي نصف ساعة).
حيرة المتساكن:
*
أقوم من نومي، أُنصت إلى الخارج ولكنّي لا أسمع شيئا. ما هي احتمالات ذلك؟ كثيرة
هي، ولكن هذا بعضها:
1-
لم تنطلق بعد التراتيل القرآنية من المساجد. وعليه فوقت السحور لا يزال ساريّا.
2-
انتهى "التجويد" فقط ولم يحن بعد وقت أذان الفجر. وهذا يؤدّي لتصرفيْن
اثنيْن: أ- إن كنتَ "غير سلفيّ"، لم يعد بإمكانك السحور، ولم يحن بعد
وقت صلاة الصبح. ب- وإن كنت "سلفيّا"، مازال بإمكانك السحور، وبالتالي
لم يحن بعد وقت الفجريْن (لا الكاذب ولا الصادق).
3-
انتهى "التجويد" وانتهى أذان الفجر الصادر عن كلّ المساجد إلاّ المسجد
ذا الأذانيْن. وهذا يقودك لتصرفيْن اثنيْن: أ- إن كنتَ "غير سلفيّ"، فقد
دخل وقت الإمساك عن المفطرات، ووقت الفجر الكاذب. ب- وإن كنت "سلفيّا"،
لم يحن بعد وقت صلاة الصبح، ولا يزال السحور مُمكنا ما دام ابن أمّ مكتوم هذا
العصر لم يُؤذّن ثانية.
4-
انتهى "التجويد" وانتهى أذان الفجر الصادر عن كلّ المساجد بما فيها
المسجد ذو الأذانيْن، وأقيمت صلاة الصبح في المساجد. وعليه يكون وقتا الإمساك
والصلاة قد دخلا من فترة قصيرة أو طويلة نسبيّا.
*
حالة أخرى، أستيقظ فأسمع أذانا أو أكثر –بالتثويب و/أو بدونه-: وهذا يحتمل أكثر من
تأويل.
والسؤال
الآن، هل أنّ المسألة مُستعصية لهذا الحدّ؟ ألا يُوجد
حلّ يتماشى مع العرف والتقاليد ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية والقوانين
المادية؟
ولكنّ
هامشا ضروريّا يطرح نفسه قبل الإجابة على هذا السؤال. قد يقول أحدهم إنّ الطرح
مبالغ فيه، بل قد يذهب البعض إلى نفي وجود مشكل بالأساس. إذ كيف يحدث كلّ هذا
الإرباك لمن يعيش عصر التقنية الحديثة والتكنولوجية الرقمية؟
والجواب
متوفّر في محيط كلّ منّا: ولنتجاوز الطبقة العامّة للشعب الكريم، فمَن يملك
روزنامات مفصّلة لمواعيد الإفطار والإمساك لا يجرأ على شربة الماء قبل سماع أذان
المغرب، حتى وإن تأخّر أذان مسجد حيّه لبعض الوقت. ومُقاطع التلفزة تجده حريصا على
ضبط جهازه على قناة تلفزية رسمية أو غير رسمية مهتمّة بإذاعة أذان المغرب. وعالم
الفلك رغم معرفته بدرجة رصد الفجر –الكاذب والصادق، صيفا وشتاء- فإنّه لا يتجرّأ
على تحديد لحظة الإفطار أو الإمساك حتّى لنفسه. وأستاذ الفيزياء لا يطمئنّ
لحساباته، بل لا يهدأ له بال إلاّ بعد الإعلان الرسمي لمفتي الجمهورية المُؤكّد
على رؤية هلال شهر رمضان أو ثبوت أول أيّام العيد. والخبير في البورصة والتضخّم
المالي لا يقتنع بحساباته وينتظر تحديد قيمة زكاة الفطر عبر بلاغ رسميّ أو خطبة
جمعة.
ومن هذه الأمثلة، نستنتج:
*
أولا: أنّ الفرد لا يُخاطر بالتحرّي في بعض المسائل الدينية كوقت الإمساك مثلا، بل
ولا يُمكنه فعل ذلك أصلا، حتّى وإن كان ضمن مجموعة.
*
ثانيا: المسلم عادة - مهما بلغت درجة معرفته بالعلوم الماديّة – إذا ما وصل الأمر
لشؤون دينه فإنّه غالبا ما يركن إلى ما أجمع عليه أهله ومشايخ حيّه أو قريته. ومن
هنا نخلص للقول بأنّ المسألة التي نحن بصددها هي قضيّة ذات أهميّة بالغة.
حلّ المعادلة:
وهي
في نظرنا تتكوّن من شقّيْن اثنيْن: من جهة مسألة
الفجر الكاذب والفجر الصادق، ومن الجهة
الأخرى الحديث الثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأكثر من
صيغة: [ إنّ بلالا يُؤذّن بليل فكلوا واشربوا حتّى يُنادي ابن
أمّ مكتوم ]. فبنسبة للنقطة الأولى كنّا قد
أوضحنا للتوّ أنّ تمييز اللحظة الفاصلة بيْن الفجريْن الكاذب والصادق غير مُمكنة
للشخص وحتّى إن كان ضمن مجموعة، ويجب إحالتها على الهيئات المُختصّة والجهات ذات
العلاقة. وبخصوص النقطة الثانية، نرى إمكانية إيجاد طريقة شرعية تتماشى والعصر
الحديث وتتطابق مع سنّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم حول ثنائية: [أذان بلال ثمّ نداء ابن أمّ مكتوم]
وبناء على ما سبق، نرى أن يكون حلّ
المسألة كالتالي: تشرع مساجد البلدة في بثّ "التجويد" في الجزء الأخير
من الليل وقبل وقت كاف للسحور(على شرط أنّ التجويد إذا انطلق من مصدر مُعيّن عليه
ألاّ يتوقّف حتّى لحظة الإمساك –أي كما هو عليه الحال الآن). فليس بالضرورة أن تبدأ التراتيل في نفس الوقت، ولكن عليها
التوقّف لزوما في نفس اللحظة. فيكون ذلك بالنسبة للفريقيْن المُختلفيْن
بمثابة أذان بلال: [إنّ بلالا يُؤذّن بليل فكلوا واشربوا]. وبانتهاء التجويد، ينطلق بعده مباشرة أذان الفجر في نفس التوقيت
ومن كلّ المساجد والزوايا. ويكون ذلك بمثابة نداء ابن أمّ مكتوم الداعي
للإمساك بالنسبة للفريق الأول "غير السلفي"/ وهذا الأذان نفسه يكون
بمثابة أذان بلال للفريق الثاني المعتمد على الفجر الصادق. وبهذه العملية، أي بانطلاق الأذان من كلّ المساجد في نفس الوقت تزول حيرة السامع.
يسأل سائل وهل يجوز شرعا الأذان
للصبح (الفجر) قبل دخول الوقت وبزمنيْن مختلفيْن عند الفريقيْن؟ نقول والله أعلم، إنّ
الأذان للصلاة قبل دخول وقتها يجوز شرعا على رأي الجمهور وبإجماع المذاهب الأربعة،
وذلك في صلاة الصبح (الفجر) فقط ودون غيرها.
وذلك لصريح الحديث السابق، بأنّ بلالا كان يُؤذّن
بليل، أي قبل الفجريْن الكاذب والصادق.
ونأتي الآن للمرحلة الأخيرة، وهي
الإقامة لصلاة الصبح عند الفريق الأوّل، والأذان الثاني عند الفريق الثاني.
فبالنسبة للأوّل ستبقى الإقامة في التوقيت ذاته وبالطريقة نفسها. فقط، الزمن
الفاصل بين الأذان والإقامة ازداد بعشر دقائق إضافية. وهذا مستحسن عند الآمّين
للمساجد. وبالنسبة للثاني المُتمسّك بأذان ابن أمّ مكتوم، يستطيع بعد أن دخل وقت
صلاة الفجر بل هو مطالب بنداء ابن أمّ مكتوم، ولكن حتّى لا يُربك متساكني البلدة يجب أن يكون
الأذان الثاني بالكيفية التقنية التي عليها الإقامة. أي أن يكون الأذان الثاني
داخل المسجد فقط، ويكون حكمه شرعا حكم الجماعة التي لم تعد تنتظر غيرها.
ملخّص المقاربة:
1-
تُذيع جميع المساجد بالبلدة أذان الفجر بعد "التجويد"
مباشرة، قبل عشر دقائق من موعده الحالي، أي يكون أذان الصبح (الفجر) قبل دخول
الوقت. وقد بينّا جواز ذلك شرعا –في صلاة الصبح فقط- بدليل صحّة حديث الرسول صلّى
الله عليه وسلّم: [ إنّ بلالا يُؤذّن بليل، فكلوا واشربوا...]
2-
تبقى صلاة الصبح (الفجر) في موعدها حسب كلّ مسجد، ولا بأس في إعادة
الأذان ساعتها. ولكن شريطة أن يكون الأذان الثاني [ أذان ابن أمّ مكتوم ] داخل
المسجد، مثله مثل الإقامة للصلاة، حتى لا يتمّ إرباك السامع.
والله أعلى وأعلم، عثمان الدرويش
04 / 08 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادّة لصاحبها
.