Pages

Nombre total de pages vues

mardi 24 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/35


.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/35

عشية الجمعة 28 جانفي 2011: انتزاع الشرعية الثورية من الشعب

عرضنا فـ34ـي آخر المتغيّرات في المشهد الثوري لأيام 24 و25 و26 جانفي 2011، وكنّا نوينا التوقّف عند مقارنة سريعة للدور الذي قامت به المؤسسة العسكرية في جانفي 2011 // جانفي 1978. ولكنّنا ارتأينا مواصلة السرد لأحداث جانفي 2011، وإبراز بعض أدوار الجيش فيها. لأنّ هذا سيعفينا –أثناء المقارنة- من تكرار الحديث عن مواقف اتّخذها الجيش في الفترة الأخيرة وكنّا استعرضناها في مواضع سابقة.

بعد التعبئة الشعبية التي شهدتها ساحة القصبة، وأمام رفض المعتصمين للبديل-الحاكم (أي القادم من خارج رحم الثورة) وإصرارهم على إسقاط حكومة الغنوشي، انصرف النظام الرسمي إلى تنازل غادر: فبعد إعلانه منذ أيام عن تكوين لجنة لتقصّي الحقائق برئاسة المرحوم عبد الفتاح عمر –المعيّن أصلا لهذه المهمّة من طرف ابن علي قبيل سقوطه- تمّ يوم 27 جانفي 2011 الإعلان عن إحياء لجنة أخرى من لجان ابن علي يرأسها عياض بن عاشور للإصلاح السياسي. طبعا كان ذلك، بعد بعض التعديلات في الشكل والمضمون. وتمّ في نفس اليوم إجراء تحويرات جزئية في حكومة الغنوشي الأولى. حيث سُمّي فرحات الراجحي وزيرا للداخلية عوض أحمد فريعة، وعبد الكريم الزبيدي وزيرا للعدل بدل رضا قريرة. وشمل التحوير بعض الحقائب الوزارية الأخرى. وفعلا، وجدت الحكومة الجديدة ولجنة ابن عاشور مناصرين لهما من الطبقتيْن الشعبية والمؤسستية، فانسلخوا من اعتصام القصبة.
فعلى سبيل المثال وحسب (وات)، دعا كلّ من الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين المحتجين للعودة إلى جهاتهم. ولكنّ هذه الدعوات استقبلها المتبقّون من اعتصام القصبة بالرفض، أي كما كان الأمر تجاه إغراءات عُرضت عليهم من قبل، وتهديدات تعرّضوا لها خلال فترة الاعتصام.

ومن الغد 28 جانفي 2011، وبعد أول صلاة جمعة في ساحة عامة –وأيّة ساحة؟ إنّها ساحة الحكومة- قام الجيش بإخلاء مواقعه، تاركا المعتصمين مع قدرهم -وجها لوجه مع فرق البوليس المختلفة-.//الشريط المصاحب
 وما إن بدأ رشق الشرطة بالحجارة من طرف البعض، حتى انطلق عدد غفير من رجال البوليس في مطاردة للمحتجّين مستعملين الهراوات والغازات المُسيِّلة للدموع. تمّ خلالها تعنيف بعض الشباب وإلقاء القبض على بعض آخر.//الشريط المصاحب
 أمّا الذين تمكّنوا من الإفلات فقد هاموا على وجوههم في أزقّة ضيّقة وشوارع فسيحة في مدينة غريبة عنهم. وتحقّقت رغبة النظام بـ" تنظيف الساحة " من المحتجّين على قول قائد السبسي خليفة الغنوشي فيما بعد.  وضاع حقّ المُعتدَى عليهم بين أطراف "ثورية" مُتخلّية ووزراء جدد كـ(الراجحي في الداخلية والزبيدي في الدفاع) لم يمض على تعيينهم في الحكومة سوى ساعات قليلة.

ثمّ سرعان ما تعالت الأصوات من خلال أبواق الإعلام المختلفة، والنداءات عبر بيانات الأحزاب والمنظّمات مندّدة بالعمل الإجرامي للحكومة. ومن الغد، رُحِّل الموقوفون إلى مناطقهم الداخلية، بعدما تمّ إطلاق سراحهم جميعا. والتحقت بهم –على دفعات- نفس الأصوات والنداءات المُخادعة، ولكن هذه المرّة لمواساتهم وتقديم الاعتذارات وربما بعض الهدايا.



   وبتفكيك اعتصام القصبة يكون الستار قد أُنزِل على أهم فصل من فصول المشهد الثوري الحديث (بعد14جانفي). لقد كان فصلا تراجيديا-كوميديا بكلّ المعاني.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 24 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire