Pages

Nombre total de pages vues

samedi 28 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/39

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/39
جانفي1978/ جانفي2011
المؤسسة العسكرية بين سلطتَي الحاكم والاتحاد
...
طيلة محطاتنا السابقة كنّا قد عرضنا تلميحا أو تصريحا في مواضع عديدة، المواقف التي اتّخذها الجيش في أزمتيْ جانفي78 وجانفي11. وهذا سيُعفينا من إعادة سرد الأحداث، ويجعلنا نقفز لعرض بعض خواطرنا حول الدور الذي قامت به المؤسسة العسكرية في الأزمتين المذكورتيْن، من خلال مُتغيّريْن اثنيْن فقط هما: رأس الدولة ورأس اتّحاد الشغل مع تحييد العوامل الأخرى.

كان المسار الاشتراكي قد برز عربيا في ستينيات القرن الماضي على يد جمال عبد الناصر شرقا وأحمد بن بلة/الهواري بومدين غربا. وحاول بورقيبة إثبات زعامته في خطوة مماثلة، فشرع في تنفيذ ما أُطلق عليه اسم "برنامج التعاضد". ولكن ما إن سقط المشروع حتى انقلب بورقيبة على صاحبه أحمد بن صالح الاشتراكي سنة69 ليُنصّب مكانه الهادي نويرة الليبرالي سنة70. أشرنا لهذه النقطة للاستدلال فقط على أنّ الحبيب، أي المجاهد الأكبر لم تكن تهمّه إلاّ الزعامة. لذلك عندما اصطدم مشروعه الثاني العَولمي -وقد بدأ اقتصاديا- بصخرة حبيب آخر في جانفي 1978، هو الحبيب عاشور زعيم اتّحاد الشغل، كان رئيس الدولة مستعدّا لاستعمال كلّ الوسائل لإزاحة رئيس الاتّحاد. وقد تعرّض عاشور لمحاولة اغتيال في الأيام القليلة التي سبقت أزمة جانفي78 بعد أن استقال هذا الزعيم النقابي من الحزب الاشتراكي الذي كان يتزعمه بورقيبة. وبما أنّ بورقيبة كان يترك مجالا من حرية التصرّف لرجالاته في الحزب والحكومة ما دام ذلك يخدم شخصه وفكره. فقد كان بديهيا أن يُبادر "ذراع بورقيبة" الصيّاح ومليشياته بقلب المعادلة وإجهاض انتفاضة 78، وهذا الإجراء برّر للمؤسسة العسكرية اختيارها الوقوف إلى جانب الصفّ المعادي لاتّحاد الشغل وزعيمه وطبقته الشغيلة. وهكذا تمّت مجزرة الخميس الأسود.

أمّا ظرف أزمة جانفي2011 وملابساتها، فهي مغايرة، بل نكاد نجزم أنّها على النقيض تماما. فابن علي لم يكن زعيما، وهُو نفسه لم يدّعِ ذلك يوما. فبطانته السيّئة هي التي شكّلت هذه الزعامة باسمه، وأمسكت بخيوطها ثمّ استعملتها لتفكيك القوانين والمؤسّسات. وبالتالي أصبحت الشرطة أشرطة متداخلة تراقب بعضها، والمؤسّسة العسكرية تحطّمت رموزها وكثر ضباطها، والتجمّع صار حزبا مناسباتيا دون رأس، فلم تدخل أنصاره حلبة الثورة إلاّ قبل رحيل ابن علي بساعات.
 وفي الطرف المقابل، كان الاتّحاد يشكو من نفس العلّة: جراد يناشد ابن علي لفترة رئاسية سابعة مقابل تحوير البند العاشر من القانون الداخلي للاتّحاد (حتى يضمن جراد لنفسه البقاء على رأس المنظمة الشغيلة)، وقياداته منقسمة بين التأييد والرفض. وعليه، فعندما تندلع احتجاجات شعبية متناثرة في الزمان والمكان، ويتمّ تسريح جيش من ثكناته الاسمنتية لحراسة مؤسسات "لم تعد حكومية"، ثمّ يلتحم جنوده –وطيلة أيام عديدة- مع شرائح المجتمع المختلفة، فتتمتّن العلاقة بين الجندي النظامي والمواطن الشعبي.//الصورة المصاحبة.
فهذه الظروف كلّها مجتمعة، جعلت المؤسّسة العسكرية تجد نفسها منحازة للشعب، أو لنقل بأكثر دقّة غير متحمّسة للحاكم// الشريط المصاحب

وقبل كلّ ذلك وبعده، ألم يكن من ألطاف الله أن تكون ثورة ديسمبر2010/جانفي2011 دون رؤوس أو على الأقل، هكذا بدأت.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 31 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

الفيديو المشار إليه بالنصّ



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire