Pages

Nombre total de pages vues

jeudi 26 janvier 2023

مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/37 : صور لا تزال عالقة بذهني -2

.
مقاربة ذاتية للمشهد الثوري الحديث بتونس/37

الخميس الأسود 26 جانفي 1978: صور لا تزال عالقة بذهني -2

قلنا إنّ الجيش سرعان ما انتقل –منذ التاسعة صباحا تقريبا- إلى الرمي بالرصاص الحيّ، واستهداف كلّ ما يتحرّك في الشارع. وتحوّل المشهد من تراشق بالحجارة من طرف، والغاز المسيّل للدموع من طرف آخر، إلى مطاردة مسلّحة لشعب أعزل إلاّ من حجارة الرصيف وعلب الكبريت. إذ لم تسلم يومها العديد من وسائل النقل والبنايات العامة والخاصة من التخريب والحرق. انسحبتُ وقتها من ميدان المعركة واختلطتُ مع غيري ببقية المارّة والموظّفين الذين تمكّنوا –أو غامروا بمغادرة مراكز أعمالهم-.
كنّا نسير في طرقات فرعية وأزقّة ضيّقة لم تشملها بعد المطاردة. حتّى إذا وصلنا مفترق طرق أوقفنا رجال الحماية المدنية بعض الوقت، ريثما يتمّ التنسيق مع مسلّحي النظام. عندها يتوقّف الرمي ونتقدّم نحن، الواحد وراء الآخر رافعين الأيدي في الهواء. أمّا الشوارع الرئيسية للعاصمة فقد خلت إلاّ من مجموعات شبابية أصرّت على مواجهة عدوّها من الفرق النظامية وغير النظامية. كانت الفرق المهاجمة على عربات مصفّحة تُشبه الدبابات غير أنّها تسير على عجلات مطّاطية.

أذكر جيّدا يومها، وعند مروري بزقاق مواز لنهج باب سويقة مشاهدتي لسلاح ملقى على الأرض بجانب قطرات دم لم تجفّ بعد، فكنتُ ومن معي نمضي مُهرولين غير عابئين بشيء. وفي زقاق آخر قرب باب الخضراء، بينما كنت أتحسّس ملاذا آمنا، إذ بشاب يجري في الاتجاه المعاكس لي بأقصى سرعة. واصلتُ سيري، ولحظة انعطافي في الزقاق، وجدت نفسي وجها لوجه أمام سلاح في يد شخص. نسيتُ ما كان يرتديه المُطارِد لذاك الشاب، ولكنّي على يقين أنّه لم يكن من الجيش. وقفتُ طرفة عين أمام المُسلّح -وهو يسبّ ويلعن-. ارتعدتُ رعبا. تلعثمتُ....."آ..آ..أريد التوجّه إلى كذا...فمن أين أذهب؟" ردّ عليّ: "امش واسأل ذلك....."لا أذكر أقال ذلك الجندي أو العون أو... ولم يكن يعنيني جوابه أصلا. المهمّ عندي أنّه أدرك وقبل لحظة الصفر أنّني لستُ مَن كان بصدد مطاردته.

استأنفتُ طريقي لساعات حتى أصل إلى نهج علي طراد. وأنا في منتصفه –صعودا- ألمح جنديّا يقف عند التقاء هذا النهج بحديقة القرجاني من تحت، وشابا من الجهة العليا للحديقة يشير بيديه ويقول كلاما لم أتبيّنه لبعد المسافة بيننا. ولكنّ المشهد الذي رأيته لحظتها، وما زال حيّا في ذاكرتي هو: الجندي يصوّب بندقيته نحو الشاب، أسمع طلقا ناريا، الشاب يهوي كجذع شجرة من فوق السور الحديدي –المثبّت وقتها على حافة شارع 9 أفريل-.

وفي حادثة أخرى على علاقة، روى لي الضابط (ن.ب) بالجيش بعد شهرين أو ثلاثة من الخميس الأسود، كيف استوقف زمن الانتفاضة شابا، قال لي الضابط:  بعدما تفحّصتُ بطاقة تعريفه أخليتُ سبيله، ابتعد الشاب خطوات ثمّ التفتَ وبصق نحوي. لم أتردد لحظة، صوّبت نحوه وأطلقت عليه النار قائلا "أهبط بوس بصقتك"./ انتهى كلام الضابط/ ولا أعتقد أنّ (ن) مازال حيّا وآخر ما سمعت عنه ومنذ أكثر من عشرين سنة أنّه أُدخِل مستشفى الرازي لمرض نفسانيّ أصابه. //والفيديو المُصاحب// عند مشاهدته منذ الأيام الأولى للثورة المصرية أحيا في ذاكرتي شريط أحداث الخميس الأسود، وربما هذا ما يُفسّر سبب احتفاظي به من دون عديد الأشرطة الأخرى
http://www.facebook.com/video/video.php?v=330440256996035&saved

ولّى نهار 26 جانفي، وانقطعت الأخبار إلاّ تلك التي كانت تذيعها "جزيرة ذلك الزمان" هيئة الإذاعة البريطانية من لندن (BBC). ثمّ أظلمت الدنيا واصطبغ المشهد الثوري بلون السواد.

يتبع بإذن الله...والسلام، عثمان الدرويش    
نسخة 27 / 01 / 2012
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها

.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire