Pages

Nombre total de pages vues

mardi 6 avril 2021

ولكن لحسن نصر الله إيجابيات -1 /مقتطف 12

.
مقتطف 12 من دراسة سابقة كتبتها في رمضان 1427 / أكتوبر 2006 للردّ على بعض أصدقائي من مُريدي "السيّد" بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان جويلية (تموز)/ أوت (آب) 2006 

ولكن لحسن نصر الله إيجابيات -1  

في فكر القائد بين اللغة والاجتماع

              دراسة الجوانب اللغوية والاجتماعية في خطاب نصر الله يحتاج على الأقلّ لعالم في الألسنية وآخر في علم النفس الاجتماعي، ولكنّنا سنحاول مجتهدين تفكيك بعض رموزها مبتعدين كما أشرنا منذ البداية عن الخلافات العقائدية.
    فخطاب مهرجان النصر 22 أيلول/سبتمبر 2006 –والذي نحن بصدده- هو عمل إبداعي جميل لانسجامه الدّاخلي وصدقه الفنّي ضمن نموذج معرفي خاص. وهذا النموذج جاء في عملية عقلية معقّدة، أبدع الباثّ في إنتاجه. لقد نجح صاحب الخطاب في استبعاد بعض جوانب الواقع أو تقييدها أحيانا وإبقاء بعضها الآخر بل وتضخيمها أحيانا أخرى، بطريقة جعلت المتلقّي يقبل البنية الجديدة ويتحيّز لها أيضا.
 وبما أنّ أمين حزب الله متمكّن من نموذجه الإدراكي، مسيطر على أدواته اللغوية فقد تمكّن من عقول مخاطَبيه لا لكيفية شرح الوقائع وتحليلها فحسب بل ولنوعية الحلول المقدَّمة بشأنها كذلك .
لقد مزج المُرسِل بين جاذبية العرض وبساطته بتقديم كمية هائلة من الأرقام والأحداث، وأبدع في السرد القصصي الّذي تميّز بالإثارة والحيوية. شخّص الوضع وظروفه بدقّةِ وصف متناهية، واعتمد جودة عالية في انتقاء الآراء والمواقف للاستدلال بها. كلّ ذلك مكّنه من خلق بنية جديدة متماسكة يصعب خرقها.

وبما أنّ اللغة كما يراها "إدوارد سابير" [ وسيلة إنسانية خالصة، وغير غريزية إطلاقًا، لتوصيل الأفكار والانفعالات والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية.] وحيث أنّ كلّ فهم يُعبّر عن نفسه داخل اللغة: فإنّنا نشهد للباثّ معجبين – لغويا – بإبداعه في ارتداء ثوب الرّمز، وقدرته على تحويل قوة اللغة إلى لغة القوة ونقل المتلقّي من الكبت والتفريغ إلى الاستثمار.

ونأخذ على سبيل المثال صيغة الاستفهام في خطابه للاستدلال على هذا النجاح:
(ولكن ألا يعرف هذا العدو من نحن ؟ نحن أبناء ذلك الإمام.)*
( كيف يُمكن لهذه الثلّة من الجاهدين أن تهزم جيشا؟)*
( بدل أن يخرج الاسرائيلي من مزارع شبعا يمدّون له الشريط إلى الأمام , وبدل أن ... وبدل أن ... هل هكذا يُمكن أن نحمي الوطن وخيراته؟)*
( يأتون لمحاصرة البحر من أجل ماذا ؟ هل من أجل حماية لبنان ؟ كلاّ.)*
(وقالوا لا نستطيع الآن أن نعيد مزارع شبعا إلى لبنان . لماذا؟ لأنّنا لا نريد أن نقدّم نصرا إلى حزب الله.)*
(هل ستحوّل الحكومة اللبنانية الجيش اللبناني إلى وحدة عداد شكاوى وتسجيل خروقات؟ هذا معيب في حق الجيش اللبناني.)*
( الآن الوطن تخترق سيادته وأرضه، ومواطنون يُخطفون بين الحين والآخر ويعتدى عليهم وعلى حقولهم . ما هو القرار السياسي للحكومة؟)*
(قال أحدهم إنّ جمهور المقاومة بلا تفكير. هل أنتم بلا تفكير ؟ من يقبل هذه الإهانة ؟)* 
  
              إنّ المتابع قد يتراءى له أنّ صاحب النموذج المعرفي نجح في تغيير الخريطة الإدراكية للمتلقّي لمجرّد تمكّنه من اللغة ومقاصدها نظرا لعلاقة الإدراك باللغة. ولكنّنا نرى أنّ المُرسِل ما كان له أن يُحقّق ما حقّقه لولا فهمه الدقيق للظواهر الاجتماعية ومراقبة تفاعل بعضها مع بعض وتأثير كلّ منها في الأخرى .

والباث قد تفطّن لتخلّي المتلقّي عن تحيّزه النابع من هويته وبدأ يتبنّى تحيّزات دخيلة عنه، لم تُمكّنه من التفاعل مع الواقع ليُسهم في تغييره أو حتى ينجح في تفسيره. وبما أنّ المتقبِّل قد تتزعزع ثقته في الخبر والصورة لسطحية الأول وخداع الثانية فيلجأ إلى العقل لبناء نموذجه الخاص, جاء المهرجان ليُسيطر على مداركنا ويُفكّر بدلا عنّا بما يخدم مصلحته. ولم يكن هذا صعبا على قائد مدرك لنتائج ما يقوم به، واع بآثاره، قادر على تعديل أهدافه وتغيير أساليبه في ضوء الأحداث الجارية بالمنطقة. وبالتالي قتل القدرة على التعقّل الواعي في المتلقّي وجعله عاجزا على الإنتاج والابتكار .
لذلك وجدناه أي المتقبّل فيما بعد مكتفيا باستظهار درس تمّ تلقينه إيّاه وأحيانا بأدقّ تفاصيله. فقد خطّط الفاعل ونفّذ واستثمر كما يصنع المنتج بالمستهلك. إذ يعتمد على ميول المستهلك لإثارة ميول جديدة عبر الإعلام والإعلان، وعندما تتحوّل الرغبة إلى حاجة لم يكن يحتاجها من قبل، ويصبح عاجزا إلاّ عن الاستجابة. عندها يُقدّم المنتج سلعته ليكون المتلقّي أحد اثنين إمّا هالكا أو مستهلكا. وهنا يكمن خطر الأسلحة السيكولوجية التي لدى نصر الله، والتي لا تقلّ فتكا عن بقية الأسلحة التي يُراد نزعها.

يتبع بإذن الله
والسلام، عثمان الدرويش
05 / 06 / 2013
مسؤولية وحقوق هذه المادة لصاحبها
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire